هل الفضل في الحديث ثابت ، ولا يختص بالمتزوج الذي أتى أهله فاغتسل يوم الجمعة لأجل الجمعة والجنابة ، وإنما المقصود المبالغة في التنظف مع الاغتسال غسلا كاملا ، يشبه غسل الجنابة .
الجواب:
تبين لجنة الفتوى بــ" سؤال وجواب" أن التعليق على عبارة ( من اغتسل يوم الجمعة وغَسَّل )
الحديث المشار إليه ، هو ما رواه أوس بن أوس رضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَغَسَّلَ ، وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ ، وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا أخرجه الترمذي في "سننه" ، وحسنه النووي في "خلاصة الأحكام" ، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح أبي داود" .
وتضيف: أن موضع الشاهد منه كلمة " وغسل " من قوله صلى الله عليه وسلم :" مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَغَسَّلَ " وهذه الكلمة :" وغسَّل " ، رويت بالتشديد والتخفيف .
بيان اختلاف أهل العلم في المراد بكلمة ( وغسّل )، واختلف أهل العلم في المراد بها على قولين :
القول الأول : أن المراد بها حملَ غيره على الاغتسال ، وهنا قولان : إما أنه جامع زوجته فحملها على الاغتسال ، فيكون معنى " غسَّل " ، أي كان سببا في اغتسال زوجته ، وذهب لذلك وكيع ، وعبد الرحمن بن الأسود ، وهلال بن يساف ، وهو المنصوص عن أحمد.
قال ابن قدامة في "المغني" :" وَقَوْلُهُ: " غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " أَيْ: جَامَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ . وَلِهَذَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ: تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: " مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " مُشَدَّدَةً ، يُرِيدُ يُغَسِّلُ أَهْلَهُ .
وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَهِلَالُ بْنُ يَسَافٍ ، يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُغَسِّلَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى أَنْ يَطَأَ .
وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَسْكَنَ لِنَفْسِهِ ، وَأَغَضَّ لِطَرْفِهِ فِي طَرِيقِهِ . وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ وَكِيعٍ أَيْضًا " .
والثاني : حثّ غيره على الاغتسال بتذكيره له بفضل الاغتسال والتنظف يوم الجمعة ونحو ذلك، وبهذا قال أبو العباس القرطبي ، حيث قال في "المفهم":" وقوله - صلى الله عليه وسلم -: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة: يعني في الصفة . والأغسال الشرعية كلها على صفة واحدة ، وإن اختلفت أسبابها .
وهكذا رواية الجمهور ، ووقع عند ابن ماهان: غسل الجمعة مكان غسل الجنابة .
وفي كتاب أبي داود من حديث أوس بن أوس مرفوعًا - مشدد السين -: من غسَّل واغتسل ، وذكر نحو حديث مسلم . وقد روي مخفف السين ، وروايتنا التشديد .
واختُلف في معناه ، فقيل: معناه: جامَعَ ؛ يقال: غسَل وغَسَّل ؛ أي: جامَعَ. قالوا: ليكون أغضَّ لبصره في سعيه إلى الجمعة .
وقيل في التشديد: أوجب الغسل على غيره ، أو حمله عليه .
وقيل: غسّل للجنابة ، واغتسل للجمعة ، وقيل: غسّل رأسه ، واغتسل في بقية جسده .
وقيل: غسَّل: بالغ في النظافة والدَّلكِ ، واغتسل: صبّ الماء عليه.
وأنسبُ ما في هذه الأقوال: قول من قال: حمل غيره على الغسل بالحث والترغيب والتذكير ، والله تعالى أعلم " انتهى.
القول الثاني : أن المراد بقوله " غسّل " أي غسل رأسه فبالغ في تنظيفها ، أو توضأ واغتسل ، فيكون معناه : غسل رأسه واغتسل ، أو غسل أعضاء الوضوء ثم عاد فاغتسل ، فيتكرر غسلها.
وقد قال بذلك عبد الله بن المبارك كما نقله الترمذي ، ومكحول كما في "سنن أبي داود"، وسعيد بن عبد العزيز كما في "سنن أبي داود" . كل ذلك بإسناد صحيح عنهم .
قال ابن حبان في "صحيحه" :" قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَوْلُهُ: "مَنْ غَسَّلَ" يُرِيدُ غَسَلَ رَأْسَهُ ، "وَاغْتَسَلَ" يُرِيدُ اغْتَسَلَ بِنَفْسِهِ ، لِأَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ لَهُمْ جُمَمٌ احْتَاجُوا إِلَى تَعَاهُدِهَا ". اهـ
وقال البيهقي في "السنن الكبرى" :" وَرُوِّينَا عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ " غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ " يَعْنِي غَسَّلَ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِي رُءُوسِهِمْ الْخِطْمِيَّ أَوْ غَيْرِهِ ، فَكَانُوا أَوَّلًا يَغْسِلُونَ رُءُوسَهَمْ ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ ، وَاللهُ أَعْلَمُ ، فقوله " غسّل " الأكثرون يحملونه على أنه جامع أهله ، حتى أوجب عليها الغسل . فصار بذلك مغسّلًا لها ، ويكون التحضيض على ذلك ليؤمن عليه أن يرى في طريقه ما يحرّك عليه شهوته . قال ابن حبيب معنى قوله غسّل أي ألمّ بأهله فألزمها الغسل وهو أفضل ، ممن لزمه الغسل للجمعة فقط .
وذهب آخرون إلى أن المراد به الوضوء للصلاة ، لأنه إذا غسل أعضاء الوضوء فكرّر غسلها ثلاث مرات ، ثم اغتسل بعد ذلك غسل الجمعة صار هذا التكرار يعبر عنه بهذا الفعل ، فيقال فيه غسّل " .
وعلى هذا لا يلزم منه مواقعة أهله .
كما لا يلزمه أيضا على قول من فسره بأنه دعا غيره للغسل ، أو بالغ في النظافة والتطهر.
فمما سبق يتبين أن المسألة خلافية بين أهل العلم في المراد بقوله صلى الله عليه وسلم :" من غسّل واغتسل " : هل المراد كونه سببا في غسل امرأته بجماعه لها ، أو المراد أنه بالغ في النظافة بغسل رأسه أو وضوئه مع الاغتسال ، وعلى هذا لا يلزم الجماع ، فيتمكن العزب من إدراك الفضل .
وهذا الوجه في تفسير هذا الحديث : أرجح ، كما في نظيره من الأمر بالغسل يوم الجمعة، كغسل الجنابة .
قال النووي في "شرح مسلم" :" قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ " ، مَعْنَاهُ : غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي الصِّفَاتِ . هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ : الْمُرَادُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً . قَالُوا : وَيُسْتَحَبُّ لَهُ مُوَاقَعَةُ زَوْجَتِهِ لِيَكُونَ أَغَضَّ لِلْبَصَرِ وَأَسْكَنَ لِنَفْسِهِ .وَهَذَا ضَعِيفٌ ، أَوْ بَاطِلٌ ، وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ "
وخلاصة الجواب : أن الفضل في الحديث ثابت ، ولا يختص بالمتزوج الذي أتى أهله فاغتسل يوم الجمعة لأجل الجمعة والجنابة ، وإنما المقصود المبالغة في التنظف مع الاغتسال غسلا كاملا ، يشبه غسل الجنابة .