أصحاب الأعراف فريق من البشر سيقفون لفترة يوم القيامة بين الجنة والنار حتى يأذن الله عز وجل بدخولهم الجنة، وقد ذكرهم في كتابه الكريم ، وذكر بعض أوصافهم على سبيل الإجمال.
واختلف العلماء في تعينهم اختلافا كثيرا، فتعددت أقوالهم وتضاربت آراؤهم حول أصل أصحاب الأعراف وحقيقة موقفهم
وبهذا ندرك أن ترجيح قول من الأقوال، في تعيين أصحاب الأعراف، أمر من الصعوبة بمكان؛ ذلك أن القرآن الكريم لم يبين من هم بالتحديد. وما ورد في السنة من أخبار، فإنها كلها لا تخلو عن مقال، ولم يثبت منها شيء بسند صحيح يكون قاطعا للنزاع والخلاف.
و أما استنباطات العلماء فهي كما قدمنا تفتقر إلى دليل صحيح، بغض النظر عن كون تلك الأقوال المنسوبة إلى قائليها تصح نسبتها إليهم أم لا.
وإذا علم هذا فإنه لم يبق لنا من مستند إلا ما جاء في القرآن الكريم فنثبت ما أثبته في حقهم ولا نتعداه، فإن هذه المسألة من الأمور الغيبية التي لامجال للجزم برأي فيها دون نص ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبر القرآن الكريم عنهم بأنهم: رجال يعرفون أهل الجنة و أهل النار بسيماهم، اختصهم الله بتلك المزية من بين خلقه.
وقد قال ابن جرير في الترجيح بين تلك الأقوال، وفي الرد على أبي مجلز: (والصواب من القول في أصحاب الأعراف أن يقال – كما قال الله جل ثناؤه فيهم: - هم رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ [ الأعراف: 46 ] من أهل الجنة و أهل النار بِسِيمَاهُمْ [ الأعراف: 46 ] ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصح سنده، ولا أنه متفق على تأويلها، وإجماع من الأمة على أنهم ملائكة.
فإذا كان ذلك كذلك، وكان لا يدرك قياسا، وكان المتعارف بين أهل لسان العرب أن الرجال اسم يجمع ذكور بني آدم دون إناثهم، ودون سائر الخلق غيرهم؛ كان بينا أن ما قاله أبو مجلز من أنهم ملائكة: قول لا معنى له، وأن الصحيح من القول في ذلك، ما قاله سائر أهل التأويل غيره، هذا مع أن من قال بخلافه من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الأخبار، وإن كان في أسانيدها ما فيها).
ولعل هذا هو الذي يتعين القول به من بين تلك الأقوال، وإن كان القول بأنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم هو ما ذهب إليه كثير من العلماء؛ إلا أن تلك الروايات لم تصف من الشوائب؛ بل هي كما قال الحافظ ابن كثير: (الله أعلم بصحة هذه الأخبار المرفوعة، و قصاراها أن تكون موقوفة). غير أن الجمهور تمسك بها.
وعن رأيهم هذا يقول محمد رشيد رضا:ورجح الجمهور بكثرة الروايات أنهم الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم.
وقال – مستنبطا من دعاء أهل الأعراف: رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [ الأعراف: 47 ]: (والإنصاف أن هذا الدعاء أليق بحال من استوت حسناتهم و سيئاتهم، وكانوا موقوفين مجهولا مصيرهم) ، بحسب" الدرر السنية".
ومما تقدم يظهر لنا مدى تفاوت أقوال العلماء في تعينهم لأهل الأعراف. على أن في بعض هذه الأقوال تناقضا ظاهرا، والمثال على ذلك: أن بعضهم قال: إن أهل الأعراف هم من الأنبياء، وكانوا على الأعراف لعلو منزلتهم وعظيم مكانتهم. وعلى نقيض هذا القول من قال: أن أهل الأعراف هم أولاد الزنا أو مساكين أهل الجنة، وهذان القولان بينهما من البعد ما لا يخفى.
على أن هذه الأقوال جميعها ليس لها سند صحيح من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولما كان هذا الموضوع من الغيبيات؛ فلابد للقول بإثباته – على هيئة خاصة أو اعتقاده – من وجود سند صحيح؛ فالأولى أن يقال بتفويض العلم بحقيقتهم إلى الله عز وجل.
وقد اختلف العلماء في تعيين أصحاب الأعراف، وفي السبب الذي صاروا به موقوفين على الأعراف، كما أخبر الله عنهم؛ اختلف العلماء في ذلك إلى آراء مختلفة وأقوال متباينة، وفيما يلي: نذكر ما قيل في تعيينهم ثم الترجيح: فمما قيل في تعيينهم:
1- أنهم مساكين أهل الجنة، وينسب هذا القول إلى ابن مسعود وكعب الأحبار وابن عباس .
وأخرج الطبري عن ابن عباس أنه قال: (الأعراف سور بين الجنة والنار، وأصحاب الأعراف بذلك المكان، حتى إذا بدا لله – هكذا بالأصل – أن يعافيهم؛ انطلق بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب الذهب، مكلل باللؤلؤ، ترابه المسك؛ فألقوا فيه، حتى تصلح ألوانهم ويبدو في نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، حتى إذا صلحت ألوانهم، أتى بهم الرحمن، فقال: تمنوا ما شئتم، قال: فيتمنون، حتى إذا انقطعت أمنيتهم قال لهم: لكم الذي تمنيتم ومثله سبعين مرة، فيدخلون الجنة وفي نحورهم شامة بيضاء يعرفون بها، يسمون مساكين الجنة) .
وهو رأى عبد الله بن الحارث –أيضا- كما أخرج الطبري عن مجاهد عن عبد الله بن الحارث قال: (أصحاب الأعراف ينتهى بهم إلى نهر يقال له: الحياة، حافتاه قصب من ذهب، قال سفيان: أراه قال: مكلل باللؤلؤ، قال: فيغتسلون فيزدادون، فكلما اغتسلوا ازدادت بياضاً، فيقال لهم: تمنوا ما شئتم، فيتمنون ما شاءوا، فيقال لهم: لكم ماتمنيتم وسبعون ضعفاً، قال: فهم مساكين أهل الجنة) .
2- أنهم قوم صالحون، فقهاء، علماء، وينسب هذا القول إلى مجاهد ؛ وهذه صفة مدح لهم، غير أنه جاء في التفسير المنسوب إلى ابن عباس أن هؤلاء كانوا شاكين في الرزق ؛ وهذه صفة ذم، وقد وصف ابن كثير هذا القول بأن فيه غرابة .
3- أنهم الشهداء، ذكره المهدوي ، وعزاه الشوكاني إلى القشيري وشرحبيل بن سعد .
4- هم فضلاء المؤمنين والشهداء، فرغوا من شغل أنفسهم وتفرغوا لمطالعة أحوال الناس، ذكره أبو نصر عبد الرحمن بن عبد الكريم القشيري ، وعزاه الشوكاني إلى مجاهد .
5- هم المستشهدون في سبيل الله الذين خرجوا عصاة لآبائهم، ويعزى هذا القول إلى شرحبيل بن سعد أيضاً .
وأخرج الطبري حديثين في هذا:
الأول منهما قال فيه: حدثني المثنى، وساق السند إلى يحيى بن شبل، أو رجلاً من بني النضير أخبره عن رجل من بني هلال، أن أباه أخبره، أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف، فقال: ((هم قوم غزوا في سبيل الله عصاة لآبائهم، فقتلوا فاعتقهم الله من النار بقتلهم في سبيله، وحبسوا عن الجنة بمعصية آبائهم، فهم آخر من يدخل الجنة)) .
وأما الحديث الثاني، فقد أخرجه عن يحيى بن شبل، مولى بني هاشم، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: ((قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم، فمنعهم قتلهم في سبيل الله عن النار، ومنعتهم معصية آبائهم أن يدخلوا الجنة)) ، وهذا الحديث قد ضعفه بعض العلماء .
ويروى عن أبي سعيد أنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف فقال: ((هم رجال قتلوا في سبيل الله وهم عصاة لآبائهم، فمنعتهم الشهادة أن يدخلوا النار، ومنعتهم المعصية أن يدخلوا الجنة، وهم على سور بين الجنة والنار، حتى تذبل لحومهم وشحومهم، حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، فإذا فرغ من حساب خلقه فلم يبق غيرهم، تغمدهم منه برحمة فأدخلهم الجنة برحمته)) .
وقد ذكر الرازي، أن القول الذي يجعل الأعراف، عبارة عن الرجال الذين يعرفون أهل الجنة وأهل النار، يعود أيضاً إلى قول من يجعل الأعراف، عبارة عن الأمكنة العالية، على السور المضروب بين الجنة وبين النار، لأن هؤلاء الأقوام لابد لهم من مكان عال يشرفون منه على أهل الجنة وأهل النار .
6- هم: العباس، وحمزة، وعلي بن أبي طالب، وجعفر ذو الجناحين، يعرفون محبيهم ببياض الوجوه ومبغضهم بسواد الوجوه، ذكره الثعلبي عن ابن عباس .
وبعد هذا القول لا يخفى؛ لأن هذا التخصيص لا معنى له، ولعله من أقوال الشيعة: بل قد ذكر محمد رشيد رضا أنه من أقوالهم، وهو كذلك لم يوجد في كتب التفسير المعتمدة عن السلف؛ قال:
(وهذا القول: ذكر الآلوسي أن الضحاك رواه عن ابن عباس: ولم نره في شيء من كتب التفسير المأثورة، والظاهر أنه نقله عن تفاسير الشيعة، وفيه أن أصحاب الأعراف يعرفون كلاً من أهل الجنة وأهل النار بسيماهم؛ أي فيميزون بينهم أو يشهدون عليهم، وأي فائدة في تمييز هؤلاء السادة – على الصراط- لمن كان يبغضهم من الأمويين، ومن يبغضون علياً خاصة، من المنافقين والنواصب؟ وأين الأعراف من الصراط؟ هذا بعيد عن نظم الكلام وسياقه جداً) .
7- هم عدول القيامة الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وهم في كل أمة، ذكره الزهراوي، واختاره النحاس .
قال العلامة محمد رشيد رضا: (فكما ثبت أن كل رسول يشهد على أمته أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم شهداء على جملة من الأمم بعده؛ ثبت أيضاً أن في الأمم شهداء غير الأنبياء عليهم السلام، قال الله تعالى: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا [النساء: 41].
وقال في خطاب هذه الأمة: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143]، وقال في صفة يوم القيامة: وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [الزُّمر: 69].
وهؤلاء الشهداء هم حجة الله على الناس في كل زمان بفضائلهم واستقامتهم على الحق والتزامهم للخير وأعمال البر) .
8- هم قوم أنبياء، قاله الزجاج : (أي يجعلهم الله تعالى على أعالي ذلك السور، تمييزاً لهم على الناس، ولأنهم شهداؤه على الأمم، ورجح هذا القول الرازي) . هذا كلام محمد رشيد رضا عنه.
وقد أورد الرازي في تفسيره -بعد ذكر هذا القول- أن هذا الوجه لا يتفق مع معنى الآية: لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ، أي لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها، وهذا الوصف لا يليق بالأنبياء والملائكة والشهداء.
لكنه قال في الإجابة عن هذا: (أجاب الذاهبون إلى هذه الوجه بأن قالوا: لا يبعد أن يقال: إنه تعالى بين من صفات أصحاب الأعراف أن دخولهم الجنة يتأخر؛ والسبب فيه أنه تعالى ميزهم عن أهل الجنة وأهل النار، وأجلسهم على تلك الشرفات العالية والأمكنة المرتفعة، ليشاهدوا أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار، فيلحقهم السرور العظيم بمشاهدة تلك الأحوال، ثم استقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، فحينئذ ينقلهم الله تعالى إلى أمكنتهم العالية في الجنة، فثبت أن كونهم غير داخلين في الجنة، لا يمنع من كمال شرفهم وعلو درجتهم.
وأما الطمع المذكور في الآية، فهو على ما ذكر هؤلاء، يكون معناه: اليقين، لا الطمع الذي لا يثق صاحبه بحصول المراد، وعلى هذا قوله تعالى عن إبراهيم: وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: 82] فهذا الطمع طمع يقين .
9- هم قوم كانت لهم صغائر لم تكفر عنهم بالآلام والمصائب في الدنيا فوقفوا، وليست لهم كبائر فيحبسون عن الجنة لينالهم بذلك غم، فيقع في مقابلة صغائرهم. حكاه ابن عطية القاضي أبو محمد في تفسيره .
10- ذكره ابن وهب عن ابن عباس، قال: أصحاب الأعراف الذين ذكر الله في القرآن، أصحاب الذنوب العظام من أهل القبلة، وذكره ابن المبارك؛ قال: أخبرنا جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال: أصحاب الأعراف رجال كانت لهم ذنوب عظام، وكان جسيم أمرهم لله، فأقيموا ذلك المقام، إذا نظروا إلى أهل النار وعرفوهم بسواد الوجوه، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، وإذا نظروا إلى أهل الجنة عرفوهم ببياض وجوههم.
وفي رواية سعيد بن جبير عن عبد الله بن مسعود: (وكانوا آخر أهل الجنة دخولاً الجنة) .
11- أنهم أولاد الزنا، ذكره أبو نصر القشيري عن ابن عباس .
12- أنهم ملائكة موكلون بهذا السور، يميزون الكافرين من المؤمنين قبل إدخالهم الجنة والنار. قاله أبو مجلز لاحق بن حميد، فقيل له: لا يقال للملائكة رجال، فقال: إنهم ذكور وليسوا بإناث، فلا يبعد إيقاع لفظ الرجال عليهم كما وضع على الجن في قوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الجِنِّ [الجنّ: 6] .
وذكر الطبري روايات عن أبي مجلز في تقوية هذا القول الذي يتزعمه، ويجادل في أن أهل الأعراف هم رجال من الملائكة.
وهناك روايات كثيرة عن أبي مجلز لا حاجة إلى التطويل بذكرها، فهي لا تخلو – سواء أصحت نسبتها إليه أم لم تصح – عن كونها قولاً من الأقوال يحتاج لصحة إثباته إلى نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
على أن ابن كثير قد ذكر بعد إيراد الرواية عنه صحة نسبة هذا القول إلى أبي مجلز، ولكن حكم عليها بالغرابة، وعدم الانسياق مع الظاهر من وصف الملائكة، فقال: (وهذا صحيح إلى أبي مجلز لاحق بن حميد – أحد التابعين – وهو غريب من قوله، وخلاف الظهر من السياق) .
وقال محمد رشيد رضا في سبب حكم ابن كثير على قول أبي مجلز بالغرابة: (وإنما عده غريباً عنه لمخالفته لقول الجمهور، ولتسميته الملائكة رجالاً وهم لا يوصفون بذكورة ولا أنوثة) .
13- أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم (فجعلوا هناك إلى أن يقضي الله فيهم ما يشاء، ثم يدخلهم الجنة بفضل رحمته إياهم) .
ويعزى هذا القول إلى ابن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وابن عباس، والشعبي، والضحاك، وسعيد بن جبير، فمما يعزى إلى حذيفة بالسند، ما أخرجه الطبري عن الشعبي أنه قال: أرسل إلي عبد الحميد بن عبد الرحمن، وعنده أبو الزناد، وعبد الله بن ذكوان مولى قريش، وإذا هما قد ذكرا من أصحاب الأعراف ذكراً ليس كما ذكر.
فقلت لهما: إن شئتما أنبأتكما بما ذكر حذيفة، فقالا: هات، فقلت: إن حذيفة ذكر أصحاب الأعراف فقال: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، فإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فبيانهم كذلك اطلع إليهم ربك تبارك وتعالى فقال: اذهبوا وادخلوا الجنة؛ فإني قد غفرت لكم.
وفي رواية أخرى للشعبي عن حذيفة أنه سئل عن أصحاب الأعراف، قال: فقال: هم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة، وخلفت بهم حسناتهم عن النار، قال: فوقفوا هناك على السور حتى يقضي الله فيهم.
وعن عامر عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف قوم كانت لهم ذنوب وحسنات، فقصرت ذنوبهم عن الجنة وتجاوزت بهم حسناتهم عن النار، فهم كذلك حتى يقضي الله بين خلقه فينفذ فيهم أمره، وفيه روايات أخرى عن حذيفة وهي بمعنى ما سبق.
ومما يعزى إلى ابن مسعود، ما أخرجه الطبري عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود، قال: (يحاسب الناس يوم القيامة، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار، ثم قرأ قول الله: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم [الأعراف: 8-9].
ثم قال: إن الميزان يخف بمثقال حبة ويرجح، قال: فمن استوت حسناته وسيئاته كان من أصحاب الأعراف، فوقفوا على الصراط، ثم عرفوا أهل الجنة وأهل النار، فإذا نظروا إلى أهل الجنة نادوا: سلام عليكم، وإذا صرفوا أبصارهم إلى يسارهم ونظروا إلى أصحاب النار، قالوا: ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين، فيتعوذون بالله من منازلهم.
قال فأما أصحاب الحسنات فإنهم يعطون نوراً فيمشون به بين أيديهم وبأيمانهم، ويعطى كل عبد يومئذ نوراً، وكل أمة نوراً، فإذا أتوا على الصراط سلب الله نور كل منافق ومنافقة، فلما رأى أهل الجنة ما لقي المنافقون قالوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [التحريم: 8]، وأما أصحاب الأعراف فإن النور كان في أيديهم فلم ينزع من أيديهم، فهنالك يقول الله: لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ، فكان الطمع دخولاً، قال: فقال ابن مسعود: على أن العبد إذا عمل حسنة كتب له بها عشراً، وإذا عمل سيئة لم تكتب إلا واحدة، ثم يقول: هلك من غلب وحداته أعشاره) .
وينسب هذا الرأي أيضاً إلى ابن عباس، فإنه كان يقول: إن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، وهذا ما ينص عليه الطبري بسنده إلى ابن عباس أنه قال: (أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم) .
ويذكر قتادة عن ابن عباس أنه كان يقول: (الأعراف بين الجنة والنار، حبس عليه أقوام بأعمالهم)، وكان يقول: (قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تزد حسناتهم على سيئاتهم، ولا سيئاتهم على حسناتهم) .
14- هم مؤمنو الجن.
15- هم قوم كانت عليهم ديون.
ويذكر السيوطي حديثاً يعزوه إلى البيهقي في رفع القول الأول إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن السيوطي بعد أن ذكر تلك الأقوال السابقة أورد الحديث الآتي:
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن مؤمني الجن لهم ثواب وعليهم عقاب فسألناه عن ثوابهم فقال: على الأعراف وليسوا في الجنة مع أمة محمد، فسألناه: وما الأعراف؟ قال: حائط الجنة تجري فيه الأنهار، وتنبت فيه الأشجار والثمار)) ..
وفي هذا القول – أي بأنهم مؤمنو الجن – يقول محمد رشيد رضا:
(وروي ابن عساكر فيه حديثاً مرفوعاً عن أنس بن مالك من طريق الوليد بن موسى الدمشقي، وهو منكر الحديث في أعدل الأقوال، ورماه بعضهم بالوضع) .
أما القول بأنهم قوم عليهم ديون فهو ما يعزى إلى مسلم بن يسار، قال قتادة: (وقال مسلم بن يسار: قوم كان عليهم دين) .
ومنها القول بأن أصحاب الأعراف هم:
16- أهل الفترة.
17- هم أولاد المشركين الذين ماتوا قبل سن التكليف.
18- هم أهل العجب بأنفسهم، ويعزى هذا القول إلى الحسن .
19- هم آخر من يفصل الله بينهم، وهم عتقاؤه من النار) .
وإذا علمنا ذلك الاختلاف الكثير والمتباين في بعض الأقوال، فإن قول الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله، في اختلاف عبارات المفسرين في أصحاب الأعراف وتعيينهم: (وكلها – كما يقول – قريبة ترجع إلى معنى واحد، وهو أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم) – فيه نظر: فإن هذا المعنى الذي ذكره إنما هو قول من تلك الأقوال المتقدمة التي بينها غاية التباعد والتباين.
اقرأ أيضا:
الابتلاءات.. منحة أم محنة؟اقرأ أيضا:
عادة سيئة عند الكثير من البشر تدخل في دائرة النفاق.. احذرها