أيام كثيرة تمر وقد لا نفتح كتاب الله فيها لقراءة ولو آية واحدة من القرآن الكريم، فقد نفاجأ مع ضغوط الحياة اليومية أنه مر شهر رمضان ومرت شهور كثيرة بعده، ونحن نهجر القرآن لم نقرأ فيه شيئا، حتى أن القلب يتحول كالحجارة أو أشد قسوة، ويضيع الفهم والعقل، بين حسرات لهو الحياة الدنيا.

وقد ورد عن ابن عمر رضي اللّه عنهما؛ أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال‏:‏ ‏"‏إِنَّمَا مَثَلُ صاحِبِ القُرآنِ كَمَثَلِ الإِبلِ المُعقَّلَةِ إِنْ عاهَدَ عَلَيْها أمْسَكَها، وَإِنْ أطْلَقَها ذَهَبَتْ‏"‏‏.‏

ومن أعظم الآيات التي تحدَّثت عن جفاء الكفَّار وإعراضهم عن كتاب الله تعالى، حتَّى وصل الحال إلى شكوى عظيمة يبثُّها النَّبي صلّى الله عليه وسلّم إلى ربِّه عزَّ وجلَّ بسبب هجر قومه للقرآن العظيم، قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]. فقد أعرضوا عن القرآن العظيم وهجروه، وتركوه، مع أنَّ الواجب عليهم، الإيمانُ به، والانقياد لحكمه .

وقال ابن القيِّم - رحمه الله: «هَجْرُ القرآنِ أنواع: أحدها: هجر سماعه، والإيمان به، والإصغاء إليه. والثَّاني: هجر العمل به، والوقوف عند حلاله وحرامه، وإنْ قرأه وآمن به. والثَّالث: هجر تحكيمه والتَّحاكم إليه في أصول الدِّين وفروعه، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين، وأنَّ أدلَّته لا تفيد اليقين، وأنَّ أدلَّته لفظيةٌ لا تحصِّل العلم. والرَّابع: هجر تدبُّره وتفهُّمه ومعرفة ما أراد المتكلِّم به منه. والخامس: هجر الاستشفاء والتَّداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها؛ فيطلب شفاء دائه من غيره، ويهجر التَّداوي به. وكلُّ هذا داخلٌ في قوله: ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ [الفرقان: 30]، وإنْ كان بعض الهَجْر أهون من بعض»[9].

اقرأ أيضا:

ضعف الشخصية أول طريق الغواية والحرام.. كيف توطن نفسك؟

اجعل لك وردًا

اجعل لنفسك وِردًا من القرآن الكريم، ولا تهجره فتكون تحت طائلة عقاب الله الذين قال فيهم آية ترتجف لها القلوب، قال الله تعالى: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} [الذاريات:9]، أي: يُصرَف عن القرآن الكريم مَن صرفه الله تعالى عقوبةً له بسبب ذنوبه وإعراضه عن الله سبحانه.

فمن لم يبدأ بحفظ القرآن الكريم فليبدأ! ومن أهمل مراجعته فليستدرِك! ومن لم يكن له وِرد من القرآن الكريم فليحرص عليه! ولتصبر ولتُصابر... فإنّ لحفظ القُرآن وضبطهِ وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار لذّة تُنسيك تعب المُجاهدة.

فمن بركة القرآن الكريم أن الله تعالى يبارك في عقل قارئه وحفظه؛ فعن عبد الملك بن عمير: "كان يقال أن أبقى الناس عقولًا قراء القرآن". وفي رواية: "أنقى الناس عقولًا قراء القرآن".

وقال القرطبي: "من قرأ القرآن الكريم متع بعقله وإن بلغ مئة!".

وورد أن الملائكة الكرام لم يعطوا فضيلة قراءة القرآن الكريم، وهي حريصة لذلك على استماعه من الإنس! فقراءة القرآن كرامة أكرم الله تعالى بها الإنس".