توفيق الله لعبده المؤمن من الأمور التي لا تُطْلَبُ إلا من الله، إذ لا يقدر عليه إلا هو، فمن طلبه من غيره فهو محروم.
انطلاقا من هذا التوفيق لا غِنَى للعبد عنه، لا في الدنيا ولا في الآخرة، مصداقا لقوله تعالي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " "النور:الأية 21].
وفي هذا السياق قال ابن القيم رحمه الله: "يخاطب اللهُ جل وعلا عباده المُؤْمِنِين، فيقول: لولا توفيقي لَكُمْ لما أَذْعَنَتْ نُفُوسُكمْ لِلإيمان، فلم يكن الإيمان بمشورتكم وتوفيق أنفسكم، ولكني حببته إليكم وزينته في قلوبكم، وكرَّهت إليكم ضده الكفر والفسوق"
ومن الثابت أن مَنْ وَفَّقَهُ الله لتزكية نَفْسِه فَقَدْ أفلح وفازكما جاء في قوله تعالي " قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى " "الأعلى: 14" وأعلى مراتب توفيق الله لعَبْدِهِ أن يحبب إليه الإيمان والطاعة، ويُكَرِّهَ إليه الكفر والمعصية، وهي المرتبة التي نالها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن الله بها عليهم في قوله تعالى "" وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُون"
وللوصول إلي مرحلة توفيق الله تتطلب من المؤمن الوفاء بعديد من الشروط منها: الإخلاص لله -عزّ وجلّ-، وهو سرّ اصطفاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فضلا عن سلامة القلب من كُلّ أمراض القلوب، وعلى رأسها الشرك، وهذه صفةٌ من صفات الأنبياء عليهم السلام.
كما يتطلب تحقيق توفيق الله في العبادة والحياة إحسان الظنّ بالله، ويكون ذلك بالرضا والتسليم لكُلّ ما يقضيه على المسلم ويقدره له، كما يكون بالإيمان الجازم بحكمته وعلمه وخبرته وكذلك التبرؤ التام من حول المسلم وقوته، والاعتماد الكامل عليه سبحانه، فهذا هو التوكّل الحقيقي على اللهبالإضافة إلي المداومة على الإنابة والتوبة إلى الله سبحانه، والإقبال عليه بكُلّ المحبّة والخضوع مع الإعراض عن كُلّ ما سواه.
ولا شك أن اليقين التام بالله، عبر الاعتقاد بأنّ كُلّ ما في الكون مسيّرٌ بحكمة الله وعلمه وتدبيره. برّ الوالدين، وهو من أعظم أبواب التوفيق وتحقيق السعادة للمسلم في الدنيا والآخرةإضافة إلي المسارعة في الخيرات، والمبادرة في الصالحات، ويكون ذلك باغتنام فرص الأجر والثواب، والجدّ في طلب مواطن الخير. كثرة اللجوء إلى الله -عزّ وجلّ- ودعائه ومسألته في شتّى الأمور، وهذا من فعل الأنبياء عليهم السلام.
الوفاء بشروط توفيق الله وتحقق هذا التوفيق له العديد من العلامات منها تيسير العمل الصالح له وتوفيقه إليه و تيسير طلب العلم الشرعيّ والتفقّه في الدين فضلا عن السداد والصواب في أقوال المسلم وأفعاله ناهيك عن صرف قلب المسلم عن الدنيا والطمع فيها، وانشغاله بالآخرة وإرادتها وطلبها. مداومة المسلم على العودة إلى الله تعالى، والتوبة عن المعاصي والذنوب. حرص المسلم على نفع الناس وقضائه حوائجهم والعطف عليهم. ميل المسلم للطاعة وحبّه لها، ونفرته من المعاصي والآثام. صدق نية المسلم وإخلاصه لله تعالى.
اقرأ أيضا:
إياك أن تضع الخل على العسل.. أخلاقك عنوانك وطريقك لمحبة للهويظهر توفيق الله لعباده أحوال كثيرة، فمنها أن يعرض الخير على أناس فيردونه حتى ييسر الله له من أراد به الخير من عباده، وقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشر سنين يعرض نفسه على القبائل لينصروه، فلم يستجيبوا له حتى وفَّق الله الأنصار لذلك، فنالوا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة.ومنها أن يوفق الله العبد في آخر حياته لعمل صالح يموت عليه فيختم الله به أعماله
ومن علامات توفيق الله للعبد المسلم إعانته على نشر الخير والدعوة إلى الله والإصلاح في الأرض بل أن بعض بعض السلف :جعلت من علامات من توفيق الله للعبد، أن يجعله ممن إذا أعطى شكر،. وإذا ابتلى صبر وإذا أذنب استغفر، فهذا عنوان السعادة."