يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «فأراد ربُك أن يبلُغا أشدهُما و يستخرجا كنزهما »، فقد يخبئ الله لنا خيرا نراه بعد حين ، خير لنا و أفضل من أن نراه الآن، فإذا دعوت الله وسجدت له واعترفت بفقرك وضعفك وحاجتك وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله فقد استجاب لك، ولكن فيما يختاره لك لا فيما تختاره لنفسك.
وفي ذلك يقول المولى عز وجل: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ » (غافر:60)، فربما عزيزي المسلم تكون قد طلبت شيئًا كان الأولى منعه عنك فيكون المنع عين العطاء، فربما منعك فأعطاك وربما أعطاك فمنعك.
لطف الله الخفي
إذن ما يقيس حقيقة المسألة، من أنك تحتاج إلى هذا الأمر أو لا، هو الله عز وجل وفقط، وفي ذلك يقول يقول الإمام على بن أبي طالب كرم الله وجهه: «وكم لله من لطفٍ خفيٍّ .. يَدِقّ خَفَاهُ عَنْ فَهْمِ الذَّكِيِّ»، أي لا تتعجل عزيزي المسلم استجابة الدعاء، أو طلبك الذي طلبته، فقد يكون في تأخيره كل الخير لك وأنت لا تدري، وفي النهاية عطاء الله مؤكد هو الأهم والأفضل لك في هذا التوقيت الذي اختاره، لذا كل ما عليه فعله هو التأدب مع الله عز وجل، مهما تأخرت الإجابة عنك، وألا يدخل قلبك سوى الثقة واليقين سبحانه وتعالى، بأنه يعلم ما هو أفضل لك، وسيمنحك إياه في الوقت المناسب.
قال تعالى: « مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ » (الحديد: 22، 23).
اقرأ أيضا:
سلامة الصدر.. خلق الأنبياء وصفة أهل الجنة وسمت الصالحينالخير الكامن
عزيزي المسلم، عسى أن يكون الخير كامنًا في أمر ما، وأنت لا تدري، فقد يكون الخير في أمر تراه شرًا، وأنت لا تعلم، فقط اصبر موقنًا في الله عز وجل، وستكون النتيجة لاشك (مفاجأة جميلة) لك، فالله دائمًا عنده الحسن والطيب، ولا يبخل أبدًا على عباده، طالما وثقوا فيه، قال تعالى: «فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا » (النساء:19).
ولو كنت متابعًا جيدًا للقرآن الكريم، ستجد أن هذا المعنى يتجسد في قصة سيدنا موسى عليه السلام، والعبد الصالح، ففي كل مرة كان يتسرع الحكم، لكنه في النهاية علم أن ما يقدره الله أعظم وأفضل، ومن ذلك خوفه من هلاك السفينة بعد أن أعابها العبد الصالح، قال تعالى: « أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا » (الكهف:79)، فكانت النتيجة مذهلة، ونجا الله السفينة بمن فيها.. فلا تتسرع ولا تحكم على الأشياء من بابها فقط.. وانتظر فرج الله فهو لاشك الأعظم.