قال الله تعالى: "ونفخ في الصور فجمعناهم جمعًا".. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «الصور كهيئة القرن الذي ينفخ فيه».
وقال ابن عباس: «إن صاحب الصور لم يطرف منذ وكل به، كأن عينيه كوكبان دريان، ينظر تجاه العرش، ما يطرف مخافة أن يؤمر أن ينفخ فيه قبل أن يرتد إليه طرفه».
وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن، وحنى جبهته، ينتظر متى يؤمر أن ينفخ فيه» ، قلنا: يا رسول الله، ما نقول؟ قال: " قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ".
وعن عكرمة مولى ابن عباس قال : " فإذا نقر في الناقور" .. قال: «إذا نفخ في الصور».
الصور والنفخ:
ذكر محمد بن كعب القرظي، عن رجل، من الأنصار، عن أبي هريرة قال: بينما طائفة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده، إذ قال رسول الله: «إن الله لما فرغ من خلق السماوات والأرض خلق الصور فأعطاه إسرافيل، فهو واضعه على فيه، شاخص ببصره ينتظر متى يؤمر».
قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وما الصور؟ قال: «هو قرن» ، قلت: وكيف هو؟ قال: «عظيم».
قال: " والذي نفسي بيده، إن عظم دارة فيه لعرض السماء والأرض، ينفخ فيه ثلاث نفخات، فالنفخة الأولى للفزع، والنفخة الثانية نفخة الصعق، والنفخة الثالثة نفخة القيام لرب العالمين.
نفخة الفزع وتسيير الجبال:
يأمر الله إسرافيل بالنفخة الأولى، فيقول: انفخ نفخة الفزع، فينفخ نفخة الفزع، فيفزع أهل السماوات والأرض إلا من شاء الله فيأمره فيمدها ويطيلها , ولا يفتر , وهي التي يقول الله عز وجل: " وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق".
وتسير الجبال فتكون كالسحاب، ثم تكون سرابا، فترجف الأرض بأهلها، وهي التي يقول الله: " يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة".
فتكون الأرض كالسفينة الموبقة تضربها الأمواج في البحر، تكفأ بأهلها كالقنديل المعلق بالعرش، فترجف الأرض فتهيم الناس على وجهها، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويشيب الولدان، وتطير الشياطين هاربة فتلقاها الملائكة، تضرب وجوهها فترجع، ويولى الناس مدبرين، فينادي المنادي، وهي التي يقول الله: " يوم التناد يوم تولون مدبرين ما لكم من الله من عاصم".
فبينما هم على ذلك من الحال إذ نظروا إلى الأرض قد تصدعت من قُطْر إلى قُطر، فرأوا أمرا عظيما، فأخذهم لذلك من الكرب ما الله به عليم ، فينظرون إلى السماء، فإذا هي كالمهل، خسف شمسها وقمرها، وانتثرت نجومها، ثم كشطت عنهم ".
الشهداء مستثنون من الفزع:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأموات لا يعلمون بشيء من ذلك» قال أبو هريرة: فقلت: يا رسول الله، من استثنى الله حين يقول: " ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله" ؟ قال: " أولئك الشهداء، هم أحياء عند ربهم يرزقون، وقاهم الله شر ذلك اليوم، وأمنهم من عقابه، وإنما يصل الفزع إلى الأحياء، وهو عذاب الله يبعثه على شرار خلقه.
ثم يقول لإسرافيل: انفخ نفخة الصعق، فينفخ نفخة الصعق، فيصعق أهل السماء والأرض إلا من شاء الله ".
قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، فمن استثنى الله حين نفخ في الصور، فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله؟ قال: " جبريل وميكائيل وحملة العرش، وملك الموت.
موت ملك الموت:
حتى إذا خمدوا جاء ملك الموت إلى الجبار فقال: يا رب: قد مات أهل الأرض وأهل السماء، فيقول الله وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: بقيت أنت يا رب، الحي الذي لا يموت، وبقي جبريل وميكائيل وحملة العرش، وبقيت أنا، فيقول الله عز وجل: فليمت حملة العرش، فيموتون، ويأمر الله العرش فيقبض الصور.
ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول: يا رب، قد مات حملة العرش، فيقول الله وهو أعلم: من بقي؟، فيقول: بقيت أنت يا رب، الحي الذي لا تموت، وبقي جبريل وميكائيل، وبقيت أنا، فيقول الله: فليمت جبريل وميكائيل، فيموتان، وينطق الله العرش فيقول: يا رب، تميت جبريل وميكائيل؟ فيقول الله له: اسكت، فإني كتبت الموت على من تحت عرشي.
ثم يجيء ملك الموت إلى الجبار فيقول: يا رب، مات جبريل وميكائيل ، فيقول الله وهو أعلم: فمن بقي؟ فيقول: بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقيت أنا، فيقول الله: أنت خلق من خلقي، خلقتك لما قد ترى، مت ثم لا تحيا.
قال: فإذا لم يبق إلا الله جل ثناؤه الواحد الأحد الصمد، كان آخرا كما كان أولا، طوى السماوات والأرض كطي السجل للكتاب، ثم دحاها، ثم تلقفهما، ثم قال: أنا الجبار، ثم ينادي: لمن الملك اليوم؟ ثم يرد على نفسه: لله الواحد القهار، يقول ذلك ثم ينادي: ألا من كان لي شريكا فليأت، فلا يأتيه أحد، قال ذلك ثلاثا ".