حينما سئل أحد أهل العلم عن حال أهل طريق الله مع الأسباب، قال: إن الأسباب من جهة أنها مخلوقة فهي ليست حقيقة، والأسباب من جهة أنها منسوبة للخالق فهي حقيقة، فإن رأيت باعثها فهي حق وإن رأيتها من غيره فهي ما وصفت، وأهل المعرفة إن جعلهم مولاهم في أسبابه لاحظوه فيها فلم يستوحشوا منها وغيرهم يفرون من أسبابه لأنهم لا يرونه فيها ، وأهل الفناء لا يلاحظون أسبابه فلا يفرون لأنها غير موجودة وهم غير موجودون، وأهل الله قال لهم إني معكم فلم يردوا ما أقبل به عليهم ولم يطلبوا ما أدبر عنهم.
الأسباب المشروعة
هناك بالتأكيد أسباب مشروع إتيانها، وأخرى لا تجوز، وأما الأسباب المشروعة فهي من القدر لاشك، فقد بين النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أن الأسباب المشروعة هي من القدر، فقيل له: "أرأيت رقى نسترقي بها، وتقى نتقي بها، وأدوية نتداوى بها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال: «هي من قدر الله»، أما من يتكاسل عن عمله، ثم يقول: إنه يأخذ بالأسباب، فإنما ذلك ليس بقدر وتوكل على الله، وإنما تواكل وكسل.
وفي ذلك يقول معاوية بن قرة: «لقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون، قال: بل أنتم المتواكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حَبَّه في الأرض ثم يتوكل على الله»، ومن ثم فإنه يجب على كل مسلم الاعتماد والتوكل على الله أيما توكل واعتماد، وما ذلك إلا لأن كل شيء بقدر الله، ولأن الإيمان بالقدر يعصم الإنسان بإذن الله من البطر والطغيان والفشل والإخفاق.
اقرأ أيضا:
بيت الظالم يخرب قبل بيت الكافر.. فلا تظلم أحدًا اعقلها وتوكل
الأخذ بالأسباب إنما يكافئ العقل، بينما العكس هو من ينافي العقل، لكن على المسلم أن يوقن في قرارة نفسه أن الله وراء الأقدار مهما كانت.
وقد تواتر الأمر بالأخذ بالأسباب في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ أخرج ابن حبان في صحيحه: أن رجلا جاء إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وأراد أن يترك ناقته وقال: أأعقلها وأتوكل؟ أو أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها، وتوكل».
وهو ما يؤكد أهمية الأخذ بالأسباب مع الاجتهاد، إذ يقول صلى الله عليه وسلم: «لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه.»، وأما ترك الأسباب فهو خطأ ينبغي الاستغفار منه، فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: «قد ثبت في الكتاب والسنة الصحيحة الحث على الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله، فمن أخذ بالأسباب واعتمدها فقط وألغى التوكل على الله فهو مشرك، ومن توكل على الله وألغى الأسباب فهو جاهل مفرط مخطئ، والمطلوب شرعا هو الجمع بينهما».