عن أنس رضي الله عنه، قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط، فقال: «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيرًا وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله».
وقد يفهم من هذا الحديث الشريف أن على كل مسلم أن يعيش دومًا في حزن وعبوس وأن يقلل الضحك والفرح وألا يشتهي رجل امرأته، لأن الحال الذي نستقبله يوم القيامة عظيمًا تشيب منه الولدان وتضع منه الحملان.
لكن المتتبع لسيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يجد أن ابتسامته كانت أكثر من حزنه مع أن علمه بما سيحدث كان الأكبر، ومن ثم فإن معنى الحديث أنكم يا معشر المسلمين لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً أي ما تحملتم ما تأهلتُ أنا له وحملته؛ ولحزنتم كثيرًا لعدم تأهلكم للمسؤلية وأعبائها.
مسئولية النبي
لكن علينا أن نعي جيدًا أنه حينما وضعت المسئولية في محلها الطبيعي، وهو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنها لم تؤثر عليه بأن ظهر عليه جزعه على من تحمل مسؤوليتهم من أمة الدعوة الذين لم يستجيبوا أو أمة الإجابة الذين قد يعذبون، فهو يهتم بهم؛ لكنه لم يؤثر على ظاهره ولا باطنه؛ بخلافنا نحن الذين قد نعجز عن هذا وتظهر علينا مظاهر العجز لعدم تأهلنا.
وقد أشار الله سبحانه إلى عظيم ثقل ما ألقاه على قلب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال: ( إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا )، وقال أيضًا: (لَوْ أَنـزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) لأن الجبل وإن كان قويًا فإنه لا يحتمل ما تأهل له النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فيظهر الجزع على الجبل الصلب لعدم تأهل باطن الجبل لمثل ما تأهل له باطن سيد الرجال صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يظهر شيء من هذا على من نزل على قلبه صلى الله عليه وآله وسلم .
اقرأ أيضا:
بيت الظالم يخرب قبل بيت الكافر.. فلا تظلم أحدًامعنى الحديث
ومن ثم فإن الشرح الأنسب للحديث النبوي الشريف، أنه كون الوصف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لو تعلمون ما أعلم : أي: لو تحملتم ما لم تتأهلوا له لحدث لكم ما حكيت لكم، لكنكم لا تعلمون ما أعلم فلم يحدث لكم ما وصفت لكم لقصور أهليتكم عما تأهلت له أنا ؛ ولأني تأهلت له في باطني لم يظهر علي ما حكيت لكم.
ولذلك لا ترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مبتسما ومشرقا، فاللهم لا تقطع علينا طريق معرفتك بفاسد أوهام التفسيرات المخالفة لهدي سيد البرية صلى الله عليه وآله وسلم.