أن تعيش مع القرآن فهذا في حد ذاته غاية.. فالقرآن كلام الله تعالى والعيش معه يعني أن تتنعم بتلاوته وتدبره والوقوف مع معانيه واستخراج أسراره وتأمل عبره ومواعظه.
ومن يعش مع القرآن يدرك كم هو الفارق بينه وبين من لا علاقة له بالقرآن.. فهو جنة الله في أرضه استودعه أسراره وبهذا يرتقي قارئ القرآن ويحصد الكثير من الحسنات التي لا يعلم عددها إلى الله، فقد روى عبدُالله بن مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ النبي ﷺ قال: مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ".
ثواب قراءة القرآن:
وقد ورد في فضل ثواب قراءة القرآن ما رواه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ، كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا ، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَؤُهَا).. ويؤخذ من هذا الحديث أنه لَا ينال هَذا الثواب الْأَعْظم، إِلَّا مَنْ حفظ الْقرآن، وَأَتْقَنَ أَدَاءَهُ وَقِرَاءَتَهُ كَمَا يَنْبَغِي لَه. والمراد بصاحب القرآن من يلازمه بالتلاوة والعمل وليس من يقرأه ولا يعمل به ولا يعني الحديث ي أن من لم يحفظ القرآن سيكون في أقل درجات الجنة منزلة، بل الحديث يدل على فضل خاص، لعمل خاص من الأعمال، ولا يدل على أن الدرجات العالية لا ينالها إلا من حفظ القرآن، أو قرأه.
وقد في السنة النبوية المطهرة الكثير من الأحاديث التي تبين فضل وثواب ومنزلة قارئ القرآن عن غيره ممن يهمله ولا يعرفه ففي الحديث: «مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، مثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر»، وروى البخاري من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».
الاجتماع على تلاوة القرآن:
وإذا كان لقارئ القرآن الذي يقرأه منفردا هذه المنزلة وهذا الأجر فإن قراءته أيضا في مقرأة أو مع آخرين له ثواب عظيم خاصة إن كان هذا في المسجد فقد روى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده».
شفاعة القرآن لأهله:
وقد ورد فضل قارئ القرآن العامل به أن القرآن يشفع له روى مسلم من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»، وروى الإمام مسلم أيضًا من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «يؤتى يوم القيامة بالقرآن وأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا، تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحاجان عن صاحبهما".
وهذه الأحاديث وغيرها تظهر مدى ما عليه منزلة قارئ القرآن الكريم المجتهد في العمل به الذي يقرأه حسبة لله ابتغاء وجه الكريم طمعا في الأجر والثواب.
وبهذا استحق أن يغبطه غيره على هذه المنزلة ويتمنون أن يكونوا مثله فقد روى الشيخان من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن، فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالًا فهو ينفقه آنا الليل وآناء النهار».