يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ » (الأنفال: 28)، فلو كان معنى الفتنة هنا هو المعصية والأمور السيئة، إذن كأن الله عز وجل -حاشاه- يأمرنا بإتيان هذا الأمر السيء، لأنه أمرنا بالفعل أن نتزوج وننجب أولادًا ونكسب أموالا، إذن بالتأكيد الفتنة المذكورة في هذه الآية معناها، أي شيء إلا أنها تكون شيئًا سيئًا أو معصية.
ويفسر الإمام الشتقيطي هذه الآية بقوله: إن أمر الله سبحانه وتعالى الناس في هذه الآية الكريمة أن يعلموا أن أموالهم وأولادهم فتنة يختبرون بها، أو أن تلهيهم الأموال والأولاد عن ذكره جل وعلا، وأنه بالتأكيد من وقع في ذلك فهو الخاسر الكبير، تأكيدًا لقوله تعالى: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ » (المنافقون: 9).
تفسير مختلف
أيضًا للآية تفسير أخر، على لسان ابن عباس رضي الله عنهما، إذ يقول: إن الله عز وجل يقول: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ » (التغابن: 14)، وهنا الفتنة ليست بالمعنى السيء المقصود لدى البعض، وإنما هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فرفض أولادهم وأزواجهم ذلك، فلما جاءوا فيما بعد رأوا الناس الذين سبقوا في الهجرة، قد فقهوا في الدين، فعلموا أن أولادهم وأزواجهم كانوا سببًا في تأخيرهم عن الذكر وتعلم الدين الحنيف، فأنزل الله عز وجل: « يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (التغابن: 14).. والمعنيين يعنيان أنه قد تكون الأولاد والأزواج سببًا في الإلهاء عن ذكر الله، وهنا تكون الفتنة الحقيقية.
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةمتاع الدنيا
لاشك أن الأولاد والزواج من متاع الدنيا، ونحن بشر نحب ذلك، وهذا أمر لا يمنعه الله عنا، بل يدعونا للزواج والإنجاب، ولكن شرط ألا يلهينا هؤلاء عن ذكره سبحانه، والله سبحانه وتعالى خلق الأنبياءَ بشرًا، عندهم ميل للأموال والنساء والأولاد كغيرهم من البشر، لكن الله عز وجل يؤدب ويهذب أنبياءه ومن سار على طريقهم ودربهم.
لذلك الله نهى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ [نهاه أن يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا الذي متع به الكفار، قال تعالى: «فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى » (طه: 130 - 132)، إذن الأصل هو ذكر الله، لكن بالتأكيد هذا لا يمنع الميل للنساء وإنجاب الأولاد.