يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: « مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ » (ق : 18)، كلما يسمعها أحد يذهب باله تلقائيًا إلى رقيب وعتيد اللذين يكتبان كل ما يحدث منه لحظة بلحظة عن يمينه ويساره، لكن ما لا يعلمه البعض أن هناك تفسيرات تقول إن رقيب عتيد ملك واحد وله لفظين رقيب أنه يراقبك وعتيد أنه تم إعداده جيدًا لهذا الغرض وهناك أيضًا تفسيرات تقول إنهما اثنان، واحد أيسر، والآخر يمين، واحد للسيئات، والآخر للحسنات.
وطالما ما يلفظ إذن لابد أن يكون هذا الملك يعلم جيدًا ويجيد كل اللغات وكل اللهجات وكل الكلمات.. لأنه ربما يكون هذا اللفظ إنجليزي أو هندي أو لغة فرعونية، بل من الممكن أن يكون أيضًا هذا اللفظ له أكثر من معنى واحد خير وواحد شر، سبحان الله كل هذا إعداد لملكين يكتبوا عنك كل شيء.
كتيبة
لو تأملت عزيزي المسلم، إمكانيات هذان الملكين، لوجدت أنهما كتيبة وليس مجرد اثنين يكتبان ما تفعل طوال الوقت، فهما معهما كل اللغات لاشك وكل الثقافات ويعلمان كل شيء عنك وعن كل من حولك أيضًا حتى يكون ما يكتبان صحيحًا مئة بالمئة..
لكن ماذا عن قول نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)؟، فما دورهما هنا؟، فهل من الممكن أن يؤيد هذا الملكين ما يكتبان عكس النية؟.. وهل رغم كل هذا الإعداد الجيد لهما لا يخطئان أبدًا؟، وأيضًا أين يكتبون كل ذلك، كل أفعالك وتصرفاتك لحظة بلحظة من الميلاد للمات؟، هل على ورق أو حبر أو ماذا؟، تخيل هنا أن كل البشرية من آدم حتى آخر مخلوق تكتب كل أعماله وتعرض على الله يوم القيامة؟.. الأمر صعب جدًا تخيله، لكنه يفتح آفاقك ويزيد حماستك تجاه عبوديتك لله عز وجل، لتدرك لأي مدى هو سبحانه وتعالى عظيم، وأن كل ما يحدث فوق استيعابنا نحن.
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةالنية الحقيقية
وبالعودة إلى النية، فبالتأكيد رقيب وعتيد ليس لهما علاقة بها، وإنما هي لله وفقط، هما فقط يكتبان ما يسمعان أو يريان، لكن ليس لهما أي علاقة بالنية على الإطلاق، ومن هنا يأتي إعجاز الله سبحانه وتعالى، الذي يعلم نوايا كل الخلق في ذات الوقت، ويطلع عليه ويعلمه ويراه، وبالتالي كل ما يكتبه رقيب وعتيد ليس الفاتورة النهائية، وإنما الفاتورة النهائية عند الله وفقط، وهذا لعظمته وقدرته من جهة، ولرحمته بنا من جهة أخرى.
انظر عزيزي المسلم، إلى هذا الحد أنت مهم جدًا عند الله، حتى يضع لك ملكين يتبعانك في كل لحظة، وهو أيضًا يتبعك في كل لحظة، ومع ذلك تعصاه وكأنك والعياذ بالله لا تعلم أنه يراك.