حينما ذهب أحدهم إلى نبي الله داوود عليه السلام، يقول له: (ليس معي سوى نعجة واحدة، وأخي معه ٩٩ ويريد أن يأخذها مني.. فسيدنا داوود يقول له إنه هكذا ظلمك .. قال تعالى: «إِنَّ هَٰذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ ۖ».
هنا تجد الله عز وجل يعاتب نبيه عليه السلام، لأنه لم يسمع من الطرف الآخر: «وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ۗ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ۩ »، لأنه بالأساس كان منحه (الشرط للحكم)، قال تعالى: ( يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى ).. فكيف به يتبع الهوى؟
حكم بديهي
برغم أن القصة تشعر أن الحكم فيها بديهي لصاحب النعجة، وأن سيدنا داوود عليه السلام، وهو يقول له أنه ظلمك إنما أقر بحالة شائعة وحقيقية، لكن بالوقوف على ما حدث سنجد أن قليلين هم الذين لا يخلطون بين هواهم وقراراتهم، ومن ثم تجد كثيرًا من الناس يقع في هذه الإشكالية، ويظلم، ثم تراه يبرر ظلمه بمليون مبرر، وهو يعلم جيدًا أنما ظلم تحت ضغوط هواه.
لذا فمسألة ألا تتبع هواك فإنما هي قصة كبيرة جدًا، وتحتاج منك لجهد كبير، لذلك كان اختبار الله عز وجل لنبيه داوود بأن أرسل إليه ملكين يشتكي أحدهما من الآخر، للاختبار، فوقع داوود في هوى نفسه، إلا أنه سريعًا ما تدارك الأمر، واستغفر الله عز وجل، (وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ).
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةعدم اتباع الهوى
عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن الحكم بالحق وعدم اتباع الهوى .. إنما هو موضوع كبير جدًا، ويحتاج منك وقفة ، حتى تستطيع التفريق بين تباع هواك، وبين إصدار الأحكام المسبقة بدون وعي، وفي الحالتين فأنت بحاجة إلى علم وحكمة ومعرفة بالله وقوانينه .. فيكون هناك مرجعية لهذه الأحكام .. أوتدري ماذا يعني أن تكون غير متحيز لرأي أو لشخص وتسمع من كل واحد دون أي هوى ؟؟!.. هذه مرحلة بحاجة إلى شغل واجتهاد وعلم وقلوب هواها مع الله .. وهي لاشك مرحلة صعبة جدًا ..
والكارثة أنك تتعجل فتدخل في زمرة الظالمين، وتتساوى في ذلك بآكلي حقوق الناس بل والظالمين أنفسهم، حينها يجب أن تدرك أهمية أن تكون في حالك ولا تستعجل الأحكام على الناس أبدًا، وتذكر هذه الآية الكريمة جيدًا، قال تعالى: (وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ).