البعض يبكي من الخوف، والبعض يبكي بسبب الحب، لكن لاشك أن الطرفين يبكيان من خشية الله، لأن معنى الخشية أي الانتباه لله ودوام ملاحظته وذكره بالقلب ورؤياه بالباطن وليس معنى الخشية الخوف أو البكاء فقط، فالبكاء من حب الله يدخل تحت البكاء من خشية الله لأن البكاء يكون لتذكر شيء، ومن ثم فإن الخشية هي مطلق الانتباه لشيء وتذكره فيدخل فيه كل المعاني الداعية للبكاء من خوف وحب وطمع وغيره، وما يؤكد ذلك حديث الرجل الذي يظله الله في ظله فيه ... ومن ذلك: «رجل ذكر الله خاليا ففاضة عيناه»، فيدخل فيه من ذرفت عيناه من الحب ومن الخوف ومن كل معنى متعلق بالله سبحانه وتعالى.
متى بكيت؟
على كل مسلم، أن يسأل نفسه، متى كانت آخر مرة بكى فيها من خشية الله عز وجل؟، فإجابته ستحدد مدى تعلقه بالله من عدمه، فقد نقرأ القرآن ولا نتأثر، ولا نبكي، ونسمع أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم ولا تقشعر جلودنا، ونسمع المواعظ والتخويف بالله وبالآخرة، ولا تحَرك فينا ساكنًا، وهنا علينا أن نتوقف قليلا لنراجع أنفسنا، وأن نتذكر هذا التهديد الإلهي المخيف، إذ يقول رب العزة: « فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ » (الزمر: 22).
بينما في المقابل يقول الله سبحانه وتعالى عن أولئك الذين تدمع عيونهم من خشية الله، وترق قلوبهم لِذكر الله : « وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ » (المائدة: 83)، والأمر إليك وعليك أن تختار ممن بين من قست قلوبهم، والعياذ بالله، ومن لانت قلوبهم لذكر الله عز وجل، والنتيجة في الآيتين السابقتين لاشك.
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةفعل عظيم
أيضًا ليعلم كل مسلم، أن البكاء خشية من الله عز وجل، إنما هو من أجل المواقف وأعظمها عند الله عز وجل.
فعن أبي أُمامة رضي الله عنه عنِ النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قال: «ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين، قطرة من دموع في خشية الله، وقطرة دم تُهراق في سبيل الله».
لذا انظر إلى هذا الفضل العظيم الذي أعده الله سبحانه وتعالى لصاحب العين التي تدمع خشية وخوفًا منَ الله؛ يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم : «لا يَلِج النار رَجُل بَكَى مِن خشية الله، حتى يعود اللبن في الضرع»، وقال أيضًا عليه الصلاة والسلام: «عينانِ لا تَمَسهما النار: عينٌ بكتْ مِن خشية الله، وعينٌ باتَتْ تحرُس في سبيل الله»