النداء بالكنية والألقاب الحسنة من الأمور المحببة إلى النفوس، لذلك ذمّ القرآن الأعراب الجفاة من العرب بسوء أدبها وغلظ تركيبها، إذا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، خاطبوه ودعوه باسمه وكنيته.
فأما أصحابه، فكانت مخاطبتهم إياه: يا رسول الله ويا نبي الله، وهكذا يجب للملوك أن يقال في مخاطبتهم: يا خليفة الله ويا أمين الله ويا أمير المؤمنين.
ومن حق الملك أن لا يسمى ولا يكنى في جدٍ أو هزل، ولا أنسٍ ولا غيره. ولولا أن القدماء من الشعراء كنّت الملوك وسمتهم في أشعارها، وأجازت ذلك واصطلحت عليه، ما كان جزاء من كنى ملكاً أو خليفةً إلا العقوبة.
على أن ملوك الأكاسرة لم يكنّها أحد من رعاياها قط، ولا سماها في شعرٍ ولا خطبةٍ ولا تفريطٍ ولا غيره؛ وإنما حدث هذا في ملوك الحيرة.
يقول الجاحظ: ولا أدري لم فعل القدماء ذلك، كما أني لا أدري لم أجازته ملوكها، ورضيت به، إذ كانت صفة الملوك ترتفع عن كل شيء، وترقى عنه.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟ردود ذكية بحضرة الملوك:
ومن حق الملك، إذا دخل عليه رجل، وكان اسم ذلك الرجل الداخل أحد صفات الملك، فسأله الملك عن اسمه، أن يكني عنه، ويجيب باسم أبيه.
1-أتى سعيد بن مرة الكندي، معاوية، فقال له: أنت سعيد؟ فقال: أمير المؤمنين السعيد، وأنا ابن مرة وكما قال "السيد بن أنس الأزدي"، وقد سأله المأمون عن اسمه، فقال: أنت السيد؟ قال: أمير المؤمنين السيد، وأنا ابن أنس.
2- وجاء في الأثر عن العباس بن عبد المطلب، عم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وصنو أبيه، قيل له: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال: هو أكبر مني، وولدت أنا قبله.
3- ودخل الرشيد على أحد خاصته وفي يده عصي الخيزران، وكانت أم الرشيد اسمها هكذا، فقال له : ماذا تحمل، فقال له : عروق الرماح، ولم يتلفظ باسم أمه، فكان من أحسن الردود بحضرة الملوك.
4- وكان حي من العرب في لغتهم يقلبون "الباء" ميما و"الميم" باءً وكان منهم اللغوي والنحوي الشهير بكر المازني فدخل على الواثق فقال له : ما اسمك؟ فلو تحدث بلغته لقال " مكر" فاستحيا أن يقابل الخليفة الواثق بهذه اللفظة، فعدل عن لغته، وقال له " بكر"، فأعجب الواثق ذلك، وكان عارفا بلغتهم.
فينبغي التخلص إلى أحسن الأحوال في الأدب، واستعماله.. وعلى هذا المثال يجب أن تكون مخاطبة الملوك، إذ كانت صيغتهم غير صيغ العامة.