عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ». متفق عليه.
القلب هو أشرف ما في الإنسان، إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله، وصلاح العمل مرتبط بصلاح القلب، وفساده مرتبط بفساده، يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: "القوم إذا صلحت قلوبهم فلم يبقَ فيها إرادة لغير الله عز وجل صلحت جوارحهم فلم تتحرك إلا لله عز وجل، وبما فيه رضاه".
والقلب هو العالم بالله، العامل له، الساعي إليه، وإنما الجوارح أتباع وخدام له يستخدمها القلب استخدام الملوك للعبيد إما في الخير أو الشر .
ومن عرف قلبه عرف ربه، وإن أكثر الناس جاهلون بقلوبهم ونفوسهم، فمعرفة القلب وصفاته أصل الدين، وأساس طريق السالكين.
فيجب على المسلم أن يهتم بصلاح قلبه، فيتفقده دائمًا، ويتجنب ما قد يعرض له من المفسدات، سواء أكانت من الشبهات أم من الشهوات؛ وذلك لأنه إذا صلح القلب تبعته جميع أعضاء البدن، كما ينبغي على الدعاة والمعلمين أن يهتموا بإصلاح قلوب العباد، فإنها إذا صلحت استجاب الناس لشريعة الله، ورغبوا فيما عنده.
وتأتي مداخل إبليس دائما في قلب الإنسان، فمن المعلوم أن القلب بأصل فطرته قابل للهدى، وبما وضع فيه من الشهوة والهوى.
لذلك مما يعين على صلاح القلب: التضرع إلى الله تعالى، واللجوء إليه، وكثرة الدعاء؛ يقول الله تعالى -مخبرًا عن دعاء عباده الراسخين في العلم-: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ»؛ رواه مسلم[5]، وكان صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه رضي الله عنهم أن يدعوا بهذا الدعاء: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ... قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا»؛ رواه أحمد.
اقرأ أيضا:
عبد الله مخلصا 500عام وقذف في النار .. هذا هو السبب .. اللهم ادخلنا الجنة بفضلك وليس بعدلكالقلب هو الحصن
القلب هو الحصن المنيع الذي يدافع عن صاحبه، والشيطان عدو يريد أن يدخل هذا الحصن، ويملكه ويستولي عليه، ولا يمكن حفظ الحصن إلا بحراسة أبوابه، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يعرف الحراسة أصلاً، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد، وهي كثيرة، فمن أبوابه العظيمة : الحسد، والحرص، فمتى كان العبد حريصاً على شيء أعماه حرصه وأصمه، وغطى نور بصيرته التي يعرف بها مداخل الشيطان.
وكذلك إذا كان حسوداً يجد الشيطان حينئذ الفرصة، فيحسّن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته، وإن كان منكراً أو فاحشاً.
ومن أبوابه أيضا : الغضب، والشهوة، والحدة، فإن الغضب غول العقل، وإذا ضعف جند العقل هجم حينئذ الشيطان فلعب بالإنسان.
وقد روي أن إبليس يقول: إذا كان العبد حديداً (حاد الطبع) قلبنّاه كما يقلب الصبيان الكرة.
و الإسراف في حب التزيين في المنزل والثياب والأثاث، فلا يزال يدعو إلى عمارة الدار وتزيين سقوفها وحيطانها، والتزين بالثياب، والأثاث، فيخسر الإنسان طول عمره في ذلك.
ومن أبوابه: الشبع، فإنه يقوي الشهوة، ويشغل الطاعة.
ومنها: الطمع في الناس، فإن من طمع في شخص، بالغ بالثناء عليه بما ليس فيه، وداهنه، ولم يأمره بالمعروف، ولم ينهه عن المنكر.
ومن أبوابه: العجلة، وترك التثبت، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ”العجلة من الشيطان، والتأني من الله تعالى”.
ومن أبوابه: حب المال المذموم، ومتى تمكن من القلب أفسده، وحمله على طلب المال من غير وجهه، وأخرجه إلى البخل، وخوفه الفقر، فمنع الحقوق اللازمة.
و: سوء الظن بالمسلمين، فإن من حكم على مسلم بسوء ظنه، احتقره وأطلق فيه لسانه، ورأى نفسه خيراً منه، وإنما يترشح سوء الظن بخبث الظان، لأن المؤمن يطلب المعاذير للمؤمن، والمنافق يبحث عن عيوبه.
أنواع القلوب
قلب عَمُر بالتقوى، وطهر عن خبائث الأخلاق، فتتفرج فيه خواطر الخير من خزائن الغيب، فيمده الملك بالهدى.
: قلب مخذول، مشحون بالهوى، مدنس بالخبائث، ملوث بالأخلاق الذميمة، فيقوى فيه سلطان الشيطان لاتساع مكانه، ويضعف سلطان الإيمان، ويمتلئ القلب بدخان الهوى، فيعدم النور، ويصير كالعين الممتلئة بالدخان، لا يمكنها النظر، ولا يؤثر عنده زجر ولا وعظ.
قلب يبتدئ فيه خاطر الهوى، فيدعوه إلى الشر، فيلحقه خاطر الإيمان فيدعوه إلى الخير. مثاله، أن يحمل الشيطان حملة على العقل، ويقوي داعي الهوى ويقول: أما ترى فلاناً وفلاناً كيف يطلقون أنفسهم في هواها، حتى يعد جماعة من العلماء، فتميل النفس إلى الشيطان، فيحمل الملك حملة على الشيطان، ويقول: هل هلك إلا من نسي العاقبة، فلا تغتر بغفلة الناس عن أنفسهم، أرأيت لو وقفوا في الصيف في الشمس ولك بيت بارد، أكنت توافقهم أم تطلب المصلحة؟ أفتخالفهم في حر الشمس، ولا تخالفهم فيما يؤول إلى النار؟ فتميل النفس إلى قول الملك، ويقع التردد بين الجندين، إلى أن يغلب على القلب ما هو أولى به، فمن كان على الخير يسر له، ومن كان على الشر يسر له.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ”يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك” وفى حديث آخر: ”مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح”.. فاللهم ثبت قلوبنا على كل خير.