كان للفرس حكايات غريبة مع ملوكهم من أبناء الأكاسرة، التي حكمت بلادهم لقرون عديدة، وصاروا نموذجا لسياسة يحتذى به في العالم القديم.
وذكرت كتب الأدب عن سياسة ومجالس الملوك أنه من حق الملك أن يتفرد في قرار داره بثلاثة أشياء، فلا يطمع طامع في أن يشركه فيها، فمنها : (الحجامة، والفصد، وشرب الدواء)، فليس لأحدٍ من الخاصة والعامة ممن في قصية دار المملكة أن يشركه في ذلك.
حكايات عجيبة:
1-كانت ملوك الأعاجم تمنع من هذا وتعاقب عليه، وتقول: إذا أراق الملك دمه، فليس لأحد أن يريق دمه في ذلك اليوم حتى يساوي الملك في فعله، بل على الخاصة والعامة الفحص عن أمر الملك، والتشاغل بطلب سلامته، وظهور عافيته، وكيف وجد عاقبة ما يصالح به.
2- ويقال إن كسرى أنوشروان كان أكثر ما يحتجم في يوم السبت، وكان المنادى، إذا أصبح في كل يوم سبت، نادى: يا أهل الطاعة.. ليكن منكم ترك الحجامة في هذا اليوم .. ويا حجامون، اجعلوا هذا اليوم لنسائكم وغسل ثيابكم.. وهكذا كان يفعل في يوم فصد العرق وأخذ الدواء.
دعاء الملك وتعزيته:
ومن حق الملك، إذا عطس، أن لا يشمت، وإذا دعا، لم يؤمن على دعائه.
وكانت ملوك الأعاجم تقول: حقيق على الملك الصالح أن يدعو للرعية الصالحة، وليس بحقيق للرعية الصالحة أن تدعو للملك الصالح، لأن أقرب الدعاء إلى الله دعاء الملك الصلح.
ومن حق الملك أن لا يعزيه أحد من حاشيته وأهل بيته وقرابته. وإنما جعلت التعزية لمن غاب عن المصيبة، أو لمن قارب الملك في العز والسلطان، والبهاء والقدرة. فأما من دون هؤلاء، فينهون عن التعزية أشد النهي.
وفيما يذكر عن عبد الملك بن مروان أنه مات بعض بنيه وهو صغير، فجاءه الوليد فعزاه، فقال: يا بني مصيبتي فيك أقدح في بدني من مصيبتي بأخيك.. ومتى رأيت ابناً عزى أباه؟ قال: يا أمير المؤمنين! أمي أمرتني بذلك.. قال: ذاك يا بني أهون عليّ.. وهذا لعمري من مشورة النساء.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟لماذا الملك سريع الغضب؟
ومن أخلاق الملك سرعة الغضب، وليس من أخلاقه سرعة الرضى.
فأما سرعة الغضب، فإنما تأتي الملك من جهة دوام الطاعة، وذلك لأنه لا يدور في سمعه ما يكره في طول عمره. فإذا ألفت النفس هذا العز الدائم، صار أحد صفاتها. فمتى قرع حس النفس مالا تعرفه في خلقها، نفرت منه نفوراً سريعاً، فظهر الغضب.
وأما رضى الملك فبطيء جداً، لأنه شيء تمانعه النفس أن يفعله، وتدفعه عن نفسها.
وذكر عن أبي العباس السفاح أنه غضب على رجل، فذكره ليلةً من الليالي.
فقال له بعض سمّاره: يا أمير المؤمنين، فلان لو رآه أعدى خلق الله له، لرحمه وانعصر له قلبه. قال: ولم ذاك؟
قال: لغضب أمير المؤمنين عليه. قال: ماله من الذنب ما يبلغ به من العقوبة هذا الموضع.
قال: فمنّ عليه، يا أمير المؤمنين، برضاك. قال: ما هذا وقت ذاك! قال: قلت إنك يا أمير المؤمنين لما صغرت ذنبه، طمعت في رضاك عنه.
قال أبو العباس: إنه من لم يكن بين غضبه ورضاه مدة طويلة، لم يحسن أن يغضب ولا يرضى.