كان لملوك الأكاسرة سياسات عجيبة وغريبة، في الاهتمام بمن يدخل ويخرج عليهم ممن قربوه، ليعرفوا حقيقة نفسه وقوة تحكمه في ستر أسرار الملوك.
فمن حق الملك أن يكتم أسراره عن الأب والأم والأخ والزوجة والصديق.
فإن الملك يحتمل كل منقوص ولا يحتمل ثلاثةً ثلاثة أشخاص:
1-من يطعن في ملكه.
2- من يذيع أسراره.
3- من يخونه في حرمه.
فأما من وراء ذلك، فمن أخلاق الملوك أن تلبس خاصتها، ومن قرب منها على ما فيهم، وأن تستمع منهم إذا سلموا من هذه الصفات الثلاث.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟عجائب كسرى:
وكان كسرى أبرويز يقول: يجب على الملك السعيد أن يجعل همه كله في امتحان أهل هذه الصفات، إذ كانت أو كان الملك ودعائمه، فكانت محنته في إذاعة السر عجيبة.
وكان إذ عرف من رجلين من بطانته وخاصته التحاب والألفة والاتفاق في كل شيء، خلا بأحدهما فأفضى إليه بسر في الآخر، وأعلمه أنه عازم على قتله، وأمره بكتمان ذلك عن نفسه، فضلاً عن غيره، وتقدم إليه، في ذلك، بوعيده.
ثم جعل محنته في إذاعة سره ملاحظة صديقه في دخوله عليه وخروجه من عنده، وفي إسفار وجهه ولقائه للملك، فإن وجد آخر أمره كأوله في أحواله، علم أن الآخر لم يفض إليه بسره ولم يظهره عليه، فقربه واجتباه، ورفع مرتبته وحباه، ثم خلا به، فقال: إني كنت أردت قتل فلانٍ لشيء بلغني عنه، فبحثت في أمره، فوجدته باطلاً.
وإن رأى من صاحبه نفور نفسٍ، وازورار جانب، وإعراض وجهٍ، علم أنه قد أذاع سره، فأقصاه واطرحه وجفاه، وأخبر صاحبه أنه أراد محنته بما أودعه من سره.
فإن كان هذا من أهل المراتب، وضع مرتبته، وإن كان من الندماء، أمر أن يحجب عنه، وإن كان من أصحاب الأعمال، أمر أن لا يستعان به، وإن كان من سدنة بيوت النيران، أمر بعزله وإسقاط أرزاقه.