كان أهلونا في سابق الأيام، حينما يتمنى أحد موت أحد ليرثه، يقولون له المثل الشائع: " يا وارث من يورثك"، في إشارة إلى أن الدعاء على شخص وكراهيته من أجل تحصيل المنفعة من وراء موته، قد ينقلب على صاحبه، وبالتالي كراهية الشخص لشيء أو لحاجة في نفس يعقوب لا مبرر شرعي له، إلا من ظلم وأراد أن يقتص الله من ظالمه.
استطلاع غريب
إلا أن الغريب أن هذه العادة انتشرت في المجتمعات الإسلامية والأجنبية بشكل لافت، حتى أن استطلاعا للرأى أجرته مؤخرا صحيفة "الجارديان" البريطانية على عينة كبيرة من البريطانيين، رجالا ونساء وشبابا وشيوخا ومتزوجين وعزاب وأغنياء وفقراء، حيث كان السؤال الموجه لهم: هل تمنيت الموت يوما لشخص ما غيرك؟".
وكشفت نتائج استطلاع "الجارديان" عن نتائج صادمة للمجتمع البريطانى، وفى مقدمتها ان ثلث الشعب البريطانى تمنى الموت لأشخاص آخرين، بل الاغرب ان هؤلاء الاشخاص هم من ذوى الرحمة والقربة، كزوجة أو زوج أو أخ أو أخت أو ابن أو أم أو أب أو صديق، وأن الرجال أكثر من النساء فى امنية الموت للآخرين.
والسبب فى اجراء هذا الاستطلاع ان السيدة البريطانية اليسون، وهى متزوجة، تمنت الموت لزوجها على مدار ٥ سنوات لرفضه طلاقها، وعندما أبلغته بذلك سارع بطلاقها خشية الموت.
وبلاشك، فإن هنا فى مصر، هناك من يتمنى الموت للآخرين، وقديما كانو الأخوين، مثلا، أو الرؤساء فى العمل، أو الجيران، او مأمورى الضرائب والحجز، ولكن مع حدوث تغير كبير فى العلاقات العائلية والأسرية وتفككها، تحولت أمنية الموت إلى الاقارب والأهل، بل والى أقرب الأقارب.. إلى الام.
حتى أنك لا تندهش حينما تجد الرجل من بيننا يتمنى ولو من خلال ما يوسوس له الشيطان، أن تموت زوجته لكي يتزوج عليها، نتيجة أنه لا يستطيع أن يطلقها حفاظا على أسرته وأولاده من التفكك، الأمر الذي يكشف هشاشة العلاقات الاتماعية في الأسر المسلمة وغير المسلمة.
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنةمصائب قوم فوائد أم قلة دين ؟
بل أنه ليس غريبا أن تجد ابنا أو صديقا لك يدعو ليل نهار على أبيه بالموت، حتى يرثه، معتقدا أنه بموته ستفتح له الأبواب المغلقة، غير عابئا ببر أبيه الذي أنفق عليه وربها حتى صار رجلا، وغير عابئ بما يمكن أن يحدث له من غير أبيه، الذي كان سببا رئيسا في رغد عيشه، فقد يفقد الابن سلطانه وماله بفقدان أبيه، ومع ذلك لا ينظر الكثير من الأبناء إلا تحت أرجلهم وما يرثونه من أبويهم من متاع الدنيا القليل.
وقد جسد هذه الأمنية مسلسل "الطوفان" للمخرج المبدع خيرى بشارة، والممثلة القديرة نادية رشاد، التى ادت دور الام الحاجة صفية، حيث تمنى أبناؤها الستة موتها من اجل المال والميراث، وعندما لم يستجب الله سبحانه وتعالى لأمنيتهم، دسوا لها السم فى الدواء فماتت الحاجة صفية.
وبالتاكيد، فان جميع الديانات السماوية، وفى مقدمتها الدين الاسلامى، تحرم الدعاء من اجل جلب الضرر للآخرين، وبالتالى، تحرم الدعاء على احد بالموت لقوله تعالى فى كتابه العزيز: (لَّا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا) "سورة النساء الآية ١٤٨"
كما ان نبينا الكريم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما: «لا تدعوا على أنفسكم؛ ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يُسأل فيها عطاءٌ فيستجيب لكم». صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اجمع الفقهاء على ان الدعاء بالموت على الآخرين مكروه وغير جائز شرعا، الا اننا نسمع الدعاء على الآخرين بالموت فى منازلنا واعمالنا، وفى المواصلات العامة، جهرا وليس سرا، وخاصة على ألسنة بعض النساء اللاتى لا يطقن الحياة الزوجية مع ازواجهن، وايضا، من بعض الزوجات اللاتى يواجهن مضايقات من الحموات واهل الزوج، احيانا، وايضا، من بعض الأزواج الذين تحولت حياتهم الى نكد مستمر من الزوجات، ومن بعض المرءووسين الذين يعانون من تسلط رؤسائهم عليهم.
وهناك مواسم للدعاء بالموت على الآخرين، واشهرها موسم امتحانات ونتائج الثانوية العامة، حيث يرتفع دعاء العديد من الاسر المصرية بالموت على واضعى الامتحانات.
ضياع الحقوق
لذلك ضياع الحقوق يورث غصة في القلب تزيد من الوقت إلى أن يصل الشخص إلى عدم القدرة على مسامحة من ظلمه، إلا أن علماءنا في القديم كانوا يقولون لنا: " بدل ما تدعي ادعي" ومعناها أنه بدلا من أن تدعي على من ظلمك أو تدعو على من يشكل موته مصلحة لك، ادعي له بالهداية لعل الله ينفعك به.
وفي هذا يقول الدكتور على فخر - مدير إدارة الحساب الشرعي وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية - : أنت لو دعيت عليه دا مش هيغير من الأمر شيء بل بالعكس دا ممكن يزيد فى طغيانه، ولكن دعائك له بالهداية دا ممكن ينور بصيرته ويخليه يحس بالندم ويردلك حقك اللى ضاع ولو بعد حين.
اقرأ أيضا:
حتى يؤتيك الله من فضله.. عليك بهذه الأمور