جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن النار تنادي يوم القامة للمؤمن: جز يا مؤمن، فقد أطفأ نورك لهبي.
فوائد عظيمة:
1-هذا معناه أن من عالج شهوات نفسه وهواه حتى يقهرها وتتخلص أنواره، ويقوى على قلبه، فقد أطفأ نور قلبه نيران شهواته المظلمة بالهوى، فهو النور يوم القيامة، حتى يطفئ ذلك النور لهب النار عنه.
2- ومن لم يعالج هذا من نفسه، وخرج من الدنيا مع هذه النيران سوداء مظلمة، خفت من ألا يقوى نوره على أن يطفئ لهب النيران على الصراط، لأنه لم يكن له نور على القلب يطفئ نيران شهواته، وخرجت منه أعمال البر محترقة، مخلطة برياء.
3- عامة ما يعمل من الطاعات إنما يعمل بهواه، وبما يخف عليه، وبما تنشط له النفس وتستحيله، لا ينظر إلى ما يختار الله له، ولا يقبل علمه من ربه، إنما هو عامل لربه على التملك والاقتدار، والاختيار للأحوال، حتى ربما حمله ذلك على ترك الواجب، في جنب ما يتطوع به، وهذا موجود في الخلق.
احذر هذا المثال
ترى الرجل يصلي بالليل، ويعقّ والديه، ويصوم النهار، ويسوء خلقه في شأن فطوره وسحوره، ويغتاب الناسي، وينفق في أعمال البر، ويكتسب الشبهات، ويعود المرضي، وينقل الجنائز، ويؤذي المسلمين، ويطلب عوراتهم، ويعود الأباعد، ويقطع الأرحام.
فهذا رجل جاهل بربه، يعبده بالهوى، كلما هوى أمراً ركبه، وكذب فيما يقول إني أريد به الله.
اظهار أخبار متعلقة
تساؤل:
فإن قال قائل: فما بالنا نسمع هذا العلم فنفهمه ونعقله، ولا يبقى على القلب منه شيء؟
الجواب:
قيل: لأن نيران الشهوات في الخوف قد التهبت، فهي نيران سود، مظلمة بالهوى، وهي مؤدية إلى نار الله الكبرى، فإذا التهبت ارتفع إلى القلب، وأحرق تلك الأنوار، فخلا القلب من الموعظة والعلم الذي عليه.
وهي شبيهة بالنار التي تلهب حمرتها، فتحتاج إلى ماء كثير حتى تطفئه، كلما ألقيت عليه قبضة من شيء، أو رششت عليه قليل ماء، انطفأ قليلاً ثم التهب، فكذلك صاحب الشهوة، إذا سمع الموعظة ذبل قلبه، وتخسفت نفسه، لما يصل إليه من الخوف، لأن الوعيد مما تنكسر به النفس، وتخمد شهواتها.
ألا ترى أن الرجل يكون في لذة من لذات الدنيا ونشاط، فإذا بلغه وعيد من السلطان انكسر، وذهب نشاطه، فوعيد الله تعالى لو خلص إلى القلب، لكانت النفس والشهوات أشد انكسارً، ولكن لا يصل ذلك إلى القلب، فهو صلب أبدا، فرح مرح، أشر بطر، فهو ينور بلهب، فإنما يطفأ بالماء الكثير الغالب، وهو العلم المؤدي إلى الخوف والوعيد، وليس يوجد هذا.
علاج أخير للقلب للمظلم:
يجب على صاحب القلب المظلم، أن يمنع من إلقاء الحطب عليه، فإنه متى زاده وقوداً اتقد، ونار والتهب وقوى، ومتى ما حبس عنه وقوده خمد، حتى يصير رماداً، ويذهب حر التنور.
كذلك ههنا، يحبس عنها الشهوات حتى تخمد، فتذهب فورتها والتهابها، فحينئذ تتخلص أنوار القلب، ويقوي ويعمل العقل عمله.