تتفاوت المعصية من إنسان لآخر، فهناك من يقوم بارتكاب بعض الكبائر من عصيان الوالدين، وهناك من يشرب الخمر ويقوم بالزنا، وهناك من يعمل بالسرقة، وهناك من يقول الزور، وهناك من يزعم أنه برئ من هذا كله، مكتفيًا بثلاثي الشر الذي يقع في شركه أغلب الناس، ولا يعرفون خطورته عليهم، على الرغم من تحذير القرآن من هذا الثلاثي، الذي يعد أكثر ما يدخل الناس النار.
وحذر الله سبحانه وتعالى من هذه الموبقات الثلاثة من القرآن الكريم من خلال سورة الهمزة، التي لا تتجاوز آياتها بضع سطور قليلة، ولكنها عظيمة في معانيها، وحينما نتفكر في آياتها يوقظ الله بها قلوبنا وبنورها يهدي بصائرنا وبهدايتها يفتح عقولنا.
قال الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ).
من هو الهماز اللماز؟
الهمز واللمز من أسوء ما يتخلق به الإنسان، ومعناهما الخوض في أعراض الناس بالباطل والطعن فيهم، دون دليل، والنميمة عليهم، وقد توعد الله سبحانه هؤلاء بالويلوهو كلمة عذاب، أو الويل هو واد في جنهم، لمن اتصف بهذه الصفات وهي: الهمز واللمز.
أما الهمزة فهو الذي يهمز الناس بفعله، بمعنى أنه يشير إليهم بيده وعينه على وجه التنقص و الازدراء لهم.
وأما اللمزة هو الذي يلمز الناس بقوله فيسلط لسانه بسبهم واغتيابهم والكلام في أعراضهم.
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من أحياها حاز رضا الله وعظيم ثوابهجمع المال والبخل
ومن صفات هذا الهماز اللماز أيضاً أنه لا هم له سوى جمع المال والانشغال بتنميته، والبخل في التصدق به، وقد أخذ عليه كل وقته ومع هذا لا رغبة في الإنفاق في طرق الخيرات:(وَجَمَعَ فَأَوْعَى) ويظن أن هذا المال سيخلده في الدنيا ويزيد من عمره، ولم يدر أن البخل يقصم العمر ويخرب الديار، وأن البر يزيد في العمر.
ففتنة المال تصور للإنسان أنه مخلد بماله، وتلهه عن الله عز وجل، وعن عمل الخير، وقد حمله إعجابه بماله على تنقص غيره فصار همزة لمزة، إن من كانت هذه صفاته الهمز والانشغال بجمع المال عن الاستعداد للآخرة سيكون مصيره وخيماً، وعذابه أليماً. سيلقى أسوأ مصير (لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) أي نار تُحطم ما يلقى فيها وتهشمه بقوة.
ماهي الحطمة؟
الحطمة هي إحدى طبقات النار، وقد بين سبحانه أن هذه النار لا تتصورها العقول ولا تبلغ شدة هولها الأفهام.
فقال: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ)؟ استفهام للتضخيم والتهويل، ثم بينها بقوله: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ) لبيان عظم شأنها وشدة هولها، وأخبر أنها موقدة دائماً وأبداً لا تطفأ ولا تبرد، (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) أي: يصل حرها إلى القلوب.
فنار الله الموقدة يوم القيامة والتي عدت لهؤلاء، لا تقتصر على ظاهر البدن أو أطراف الأعضاء، بل يعم حرها ظاهر البدن وباطنه.
ثم أخبر سبحانه أن هذه النار مغلقة الأبواب مسدودة المنافذ فقال: (إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) والعمد: أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار، وتشد تلك الأطباق بالأوتاد حتى يرجع عليهم غمها وحرها فلا يدخل عليهم روح، ولا يخرج منها غم.