تحدث الكثيرون عن العشق وسببه وعلاجه، حيث قال بعض الفلاسفة: لم أر حقا أشبه بباطل ولا باطلا أشبه بحق من العشق، هزله جد وجده هزل، وأوله لعب وآخره عثرة.
وقال سقراط الحكيم: العشق جنون، وهو ألوان كما أن الجنون ألوان.
قصة عجيبة:
قال أحد الوجهاء يدعى بعلي بن عاصم: قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني: ألا أريك فتى عاشقا؟ قلت: بلى، والله، فإني أسمع الناس ينكرون العشق وذهاب العقل فيه، وإني لأحب رؤيته، فعدني يوما أجئ معك فيه.
قال: فوعدته يوما فمضينا فأنشأ صاحبي يحدثني عن نسكه وعبادته، وما كان فيه من الاجتهاد، قلت: وبمن هو متعلق؟
قال: بجارية لبعض أهله كان يختلف إليهم، فوقعت في نفسه، فسألهم أن يبيعوها منه، فأبوا، وبذل لهم جميع ماله، وهو سبعمائة دينار، فأبوا عليه ضرارا وحسدا أن يكون مثلها في ملكه.
فلما أبوا عليه، بعثت إليه الجارية، وكانت تحبه حبا شديدا: مرني بأمرك، فوالله لأطيعنك ولأنتهين إلى أمرك في كل ما أمرتني به.
فأرسل إليها: عليك بطاعة الله، عز وجل، فإن عليها المعول والسكون إليها، وبطاعة من يملك رقّك، فإنها مضمومة إلى طاعة ربك، عز وجل، ودعي الفكر في أمري، لعل الله عز وجل، أن يجعل لنا فرجا يوما من الدهر، فوالله ما كنت بالذي تطيب نفسي بنيل شيء أحبه أبدا في ملكي، فأمنعه، أمد يدي إليه حراما بغير ثمن، ولكن أستعين بالله على أمري، فليكن هذا آخر مرسلك إلي، ولا تعودي فإني أكره والله أن يراني الله تعالى، وأنا في قبضته، ملتمسا أمرا يكرهه مني، فعليك بتقوى الله، فإنها عصمة لأهل طاعته.
قال: ثم لزم الاجتهاد الشديد، ولبس الشعر وتوحد، فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل، وهو مع ذلك مشغول القلب بذكرها ما يكاد يفارقه، فوالله ما زال الأمر به حتى قطّعه، فهو الآن ذاهب العقل وَالِهٌ في منزله.
قال: ثم صرنا إلى الباب واستأذنا فأذن لنا. قال علي: فدخلت إلى داره، وإذا أنا بشاب في وسط الدار على حصير متزر بإزار ومرتد بآخر.
قال: فسلمنا عليه، فلم يرد علينا السلام، فجلسنا إلى جنبه، وإذا هو من أجمل من رأيت وجها، وهو مطرق ينكت في الأرض، ثم ينظر إلى ساعده، ثم يتنفس الصعداء، حتى أقول قد خرجت نفسه.
قال: فالتفت، فإذا أنا بوردة حمراء مشدودة في عضده، قال: فقلت لصاحبي: ما هذه؟ فوالله ما رأيت العام وردا قبل هذه! فقال: أظن فلانة، وسماها، بعثت بها إليه، فلما سماها رفع رأسه فنظر إلينا ثم قال:
جعلت من وردتها .. تميمة في عضدي
أشمها من حبها .. إذا علاني كمدي
قال: ثم أطرق، فقلت: الساعة، والله، يموت، وقمت أجر ردائي، فوالله ما بلغت الباب حتى سمعت الصراخ فقلت: ما هذا؟ فقالوا: مات والله! قال علي: فقلت: والله لا أبرح حتى أشهده. قال: وتسامع الناس فجاؤوا بطبيب فقال خذوا في أمر صاحبكم، فقد مضى لسبيله، فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرف الناس.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟