حينما تسير في ركاب القرآن العظيم ربما تتفاجأ ببعض الأيات التي يعلن فيها الله عز وجل الحب لعباده، ويتودد إليهم، على الرغم من استغنائه عنهم، وحاجتهم إليه، فنحن نعرف خلال علاقتنا الإنسانية، أن الحب دائما يأتي من الطرف الأضعف والأحوج إلى الطرف الأقوى، ويأتي الود من أصحاب الحاجات إلى أصحاب المال والسلطة.
لكن كيف يأتي الحب من الله العزيز الجبار إلى العباد المحتاجين الفقراء، وكيف يسعى العظيم إلى الضعيف، وكيف يتودد الخالق إلى المخلوق، ونحن الطرف الأضعف الذي أحوج ما يكون إلى القوي لكي يهدي لنا الرزق ويمنع عنا الشر؟.
يتودد إليك وتجحد نعمته؟
كيف نجد الله وهو العظيم المتعال هو بعزه وجلاله، من يتودد لنا بأفعاله وهو الذي يعطينا من دون حاجة إلينا، وهو الذي ينعم علينا وهو غني عنا، وهو الذي يخلق لنا الكون ليسخره في خدمتنا، ونحن الأذلاء الذين لا نملك ضرا ولا نفعا في هذا الكون لنا ولا لغيرنا، فأعطانا وأكرمنا بالإسلام توددا منه، وأعطانا الصحة والعافية توددا منه، وسخر لنا الشمس والقمر، وأعطانا الزوجة والأولاد توددا منه، ورزقنا أسباب المعيشة من طعام وشراب ومنازل توددا منه، وحجب عنا الشر وظلل علينا بظله في الأرض، فكيف يتودد الله العظيم إلى هذا الكائن الضعيف؟.
حتى أن الله عز وجل أطلق على نفسه اسم الودود، من أسماء الله الحسنى، وورد ذكر اسمه الودود في آيتين في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ)[البروج: 14، 15], وقال -تعالى-: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ)[هود: 90].
فالودود هو الذي يحب عباده وهو الذي يستحق الحب، ولكن ماهو الفرق بين الحب والود.
اقرأ أيضا:
وإن سألوك عن السعادة؟.. قل هذا مفتاحهايعرف الحب بأنه مشاعر داخلية قد يكشف عنها الإنسان أو يحجبها عمن يحب، أما الود فهو ترجمه فعليه عملية؛ على الحب، لأنك حينما تقوم بفعل كل ما يسعد غيرك فأنت تتودد إليه، فالله سبحانه وتعالى يتودد لنا بأفعاله ليل نهار، حينما يرزقنا كل يوم ويستر كل يوم ويذهب عنا الأأذى كل يوم، ولا يتركنا ويظلل علينا بمعيته العظيمة، وأعطانا الصحة والعافية والزوجة والأولاد وسخر لنا الأرض والبحار والجبال والسموات والشمس والقمر والنجوم وأنزل لنا الأمطار وأنبت الأرض بالزروع والثمار وهيأ لنا كل خير في الدنيا؛ فقط حبا منه إلينا، فهل سألت نفسك هلتبادل الله عز وجل الحب بالحب والود بالود رغم ضعفك ورغم حاجتك إليه؟.
هل تنظر إلى عبد ضعيف يحبه الله ويتودد إليه، ثم يجحد هذا العبد هذا الحب، رغم أنه لو حجب الله عنه حبه لأذله وأفقره، فالمؤمنون يؤمنون به ويوحدونه ويصلون ويزكون ويصومون ويحجون، محبه له وودا له، لأنه هو الذي جعل المحبة له في قلوب المؤمنين ويجب أن تكون محبتنا وودنا لله أكثر من أنفسنا وأهلينا ووالدينا والناس أجمعين.
ومن كمال حب الله لعباده، رفع الأذى عنهم، وغفران ذنوبهم، فقد يغفل العبد حق ربه، فيحمل من الذنوب ما تئن لحمله الجبال، فيبتليه الله عز وجل لكي يغفر له ويرفع درجاته، ويكفر ذنوبه، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوم ابتلاهم؛ فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط"(رواه الترمذي).
وانظر لحالك يوم القيامة، عندما تكون في أمس الحاجة إلى من ينقذك وتحتاج إلى من يساعدك في ذلك الموقف الرهيب، فإن الله المحب للمؤمنين هو الذي يساعدهم، وييسر أمورهم في ذلك الموقف؛ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)[مريم: 96].
وقال الله تعالى : (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا)[مريم: 72].
كيف تبادل الله الحب بالحب؟
الحب يكون بالحب فكما يتودد إليك الله بنعمه فيجب عليك أن تتودد إليه بشكره على هذه النعماء، وبالأعمال الصالحة؛ من صلاة وصوم وصدقات وبر الوالدين وصلة للأرحام وإحسان للقريب والبعيد.
وإذا نظرت إلى هذه الأعمال وتدبرتها فستجد أنها لن تعم على الله بشيئ ولكنها في الأأساس ستعم عليك أنت كإنسان بكل الخير، فالله سبحانه وتعالى حتى في توددك إليه يعود هذا الود الذي تظهره عليك أنت وليس على الله لأن الله غني عنا، فالله عز وجل لا يحتاج أعمالنا الصالحة ولكن نحن نحتاج لها لأنها سبب في رضا الله عنا ودخول الجنة والحفاظ علينا، من الضياع في الدنيا، فالله صاحب الفضل أن هداك وجعلك من أهل الإسلام وأهل الصلاة وأهل الاستقامة لكي ينصلح بهذا كله حالك وأحوال أبنائك وأسرتك.
ومن وسائل الود إلى الله أيضًا التقرب إلى الله بالواجبات المفروضة بتوحيده والصلاة الزكاة والصوم والحج والعمرة وبر الوالدين وصلة الارحام، وقراءة القرآن الكريم بتدبر وفهم معانيه ودوام ذكر الله و تقديم محبة الله على كل محبوبات الدنيا؛ من زوجة وأولاد وطعام و التذلل لله بالدعاء والأعمال الصالحة وقيام الليل ومجالسة الصالحين الصادقين؛ فإنهم يعينوك على ما يرضى الله والابتعاد عن رفقاء السوء بالتوبة الصادقة.
اقرأ أيضا:
ميزان البقاء ومفتاح الحياة الآمن.. لا تدع هذه الشعيرة مع أسرتك وأصدقائك الآن