المسلمون أكثر الناس تلاوة لكتابهم ترتيلاً وتجويدًا، ولكنهم للأسف كأنهم في حالة سكون ولا يتقدمون.. وكأنهم يقرأون كتابهم بعيون الموتى فقط، فلا تطلق فيهم الآيات قوة دافعة للحركة و العمل و البحث و الاختراع .. مع أن القرآن الكريم كتاب حركة وعمل.
فقد قال تعالى في كتابه العزيز: «قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ» (سورة العنكبوت)، وقال أيضًا عز وجل: « انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ» (سورة يونس)، وقال في موضع آخر: «وقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ» (سورة التوبة)، ومع ذلك ترى كثيرًا من الخطباء يتحدثون عن الموت وعن الزهد في الحياة، وكأن الله لم يأمرنا بإعمار الأرض!.
إعمار الأرض
إعمار الأرض، إنما هو الواجب المنسي، إذ حث عليه القرآن الكريم والسنة النبوية في الكثير من المواضع، إلا أن كثير منا ينسى ذلك للأسف، فمما لاشك فيه أن المسلمون الأوائل سبقوا الكثير من الأمم التي أخذت بأسباب هذا السبق حاليًا، إذ تكاتفت وتعاونت، وأخذت أمورها على محمل الجد، فأعطاها الله تعالى على قدر اجتهادها، حتى ولو كان مقصدها الدنيا فقط، وهذا قانون إلهيّ لا يتغير ولا يتبدل.
قال الله تعالى: « مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ » (هود: 15)، ولو أننا رجَعنا بالذاكرة إلى تاريخنا الإسلامي الممتد عبر القرون وقارناه بعهدنا الحالي، لعلمنا الفرق الشاسع بين العهدين، فهم ملكوا الأرض، ونحن مازلنا نعاني من أمور كثيرة، وأطماع أخرى تنهال على أرضنا العربية هنا وهناك، ولو أننا أخذنا بأسباب التفوق من القرآن والسنة، لتبدل الحال، ولصرنا نحن من يتقدم الأمم، لأننا نملك ما لا يمكن أن يملكونه وهو كتاب الله عز وجل.
فريضة لا تسقط إلا بالموت
النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، أمر أصحابه بأن يظلوا يعملون حتى في آخر لحظة في حياتهم،تأدية لواجبهم الإنساني في إعمار الأرض.
فقد روى الإمامُ أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة وفي يدِ أحدكم فسيلة، فإن استطاع ألا يقومَ حتى يغرسها فليفعل».
كذلك اهتم الإسلام بالصناعة والحرفة كسبيل من سبل الإعمار في الأرض، فقال تعالى مخبرًا عن نبي الله داود عليه السلام: « وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ » (الأنبياء: 80)، فمتى يعود المسلمون إلى العمل والاجتهاد، حتى يملكوا الأرض مجددًا كما كانوا؟.