انتشرت خلال الفترة الأخيرة، عمليات الانتحار والتخلص من الحياة، وكأن الهروب من مشكلة ما، أو اليأس -والعياذ بالله- من مواجهة مشكلة ما يكون باللجوء إلى الموت، والحقيقة عكس ذلك تمامًا، لأن الاختبار موجود في الدنيا، والابتلاءات ستلاحق ابن آدم، حتى مماته، وهنا يميز الله الخبيث من الطيب.

قال تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» (العنكبوت 2)، ثم تجد الله بعد أن يستغرب كيف للناس ألا يفتنوا، يوضح لماذا الفتنة، فيقول عز وجل: «وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)».

إذن حتى يعلم الله الصادقين المرابطين على اليقين في الله، من الكاذبين الذين يتقلبون ويتصورون أن الحياة ضحك ولعب وتفاخر فقط، بينما هي دار ابتلاء، كما أوضح المولى عز وجل في قوله تعالى: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ» (البلد 4)، والكبد هو شدة التعب.

عقوبة الانتحار في الآخرة 

الانتحار وقتل النفس لاشك من أعظم الذنوب عند الله، قال تعالى: « وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا » (الفرقان: 68-69).

لذلك حذرنا منه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدًا»، فيكف يعلم المسلم -المقدم على الانتحار- هذا المآل ومع ذلك يصر عليه؟.. كيف تسلم نفسك للشيطان، وأنت تدرك جيدًا أن رحمة الله وسعت كل شيء.

اقرأ أيضا:

الأدلة على أن النبي يردّ السلام على من يُسلم عليه!

عذاب في الدنيا والآخرة

من يقتل نفسه، بأي وسيلة، يأتي الله بها معذبًا له يوم القيامة، ففي الصحيحين من حديث ثابت بن الضحاك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا، عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، كما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ، وَالَّذِي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا فِي النَّارِ».

 فيجب أن يدرك الإنسان الذي يفكر في الإقدام على الانتحار في مآلات ذلك، وأن ذلك ليس راحة من متاعبه، فمتى يعود العبد إلى ربه تائبًا، واثقًا في أنه سبحانه لن يتخلى عنه، فيكره الانتحار ويبتعد عنه كما يكره أن يلقى في النار والعياذ بالله يوم القيامة.

فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جندب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كَانَ بِرَجُلٍ جِرَاحٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ اللَّهُ: بَدَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».