إياك أن تضع الخل على العسل، والمعنى إياك، أن تفسد العلاقات مع الناس، بسوء خلقك، فقد يتحملك بعضهم مرة، وربما مرات، لكن في ذات مرة، ستكون الأخيرة، ويبتعدوا ويتركونك وحدك، وهكذا واحدًا تلو الآخر، حتى تجد نفسك وحدك، حتى لو كنت تملك الكثير من المال، لكن الوحدة صعبة وقاتلة، وإنما تقام العلاقات بحسن الخلق، كما علمنا رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج»، وقد ذكر الله تعالى محبته لمن يتخلق بالأخلاق الحسنة، والتي منها الصبر والإحسان والعدل وغير ذلك، فقد قال الله تعالى: «وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (البقرة: 195).
أساس الرسالة
عزيزي المسلم، كيف لك أن تعلم أن أساس الرسالة المحمدية هي إتمام حسن الخلق، ومع ذلك تزداد سوءًا في خلقك مع الناس؟.. فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنما بُعِثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق».
ومما يؤسف له اليوم أن الوسيلة التي جذبت كثيرًا من الناس إلى الإسلام هي نفسها التي باتت تصرف الناس عنه، وذلك لما فسَدت الأخلاق والسلوك، فرأى الناس تناقضًا بين الادعاء والواقع، فالإسلام لم يعد الخلق سلوكًا مجردًا، بل عده عبادة يؤجر عليها الإنسان، ومجالاً للتنافس بين العباد.
وقد جعله النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أساس الخيرية والتفاضل يوم القيامة، فقال: «إن أحبَّكم إليَّ، وأقربَكم مني في الآخرة مجلسًا، أحاسنُكم أخلاقًا، وإن أبغضَكم إليَّ وأبعدَكم مني في الآخرة أسوَؤُكم أخلاقًا، الثَّرثارون المُتفَيْهِقون المُتشدِّقون».
اقرأ أيضا:
لا تكن أعورًا في حكمك على الآخرين حتى لا تندم و تخسرأعلى الدرجات
بينما في المقابل، فإن حسن الخلق يجعل من العبد ينال أعلى الدرجات، فضلا عن أن الأخلاق هي المؤشر على استمرار أمة ما أو انهيارها، فالأمة التي تنهار أخلاقها يوشك أن ينهارَ كيانها، ويدل على هذه القضية قوله سبحانه و تعالى: « وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا » (الإسراء: 16)، كما أن حسن الخلق من أهم أسباب المودة بين الناس، وإنهاء العداوة بين المتخاصمين.
إذ يقول الله تعالى : « وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » (فصلت: 34)، والواقع بالفعل يشهد بذلك، فكم من عداوة انتهت لحسن الخلق، كعداوة عمر وعكرمة.
ويروى أن عكرمة رضي الله عنه قال لرسول الله صل الله عليه وسلم وقت إشهار إسلامه: «فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها»، أيضًا حسن الخلق كان سببًا في إنهاء عداوة قريش للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.