ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية عن "كيف تعرف المرأة أنها طهرت من الحيض؟ ومتي يجب عليها تفقد الطهر للعبادة؟ "، خاصة وأن هناك نساء تعتقد طهرها من الحيض ويجامعها زوجها ثم تفاجأ بعدم انتهاء الحيض.. فماذا تفعل؟.
ويجيب الدكتور شوقي علام، مفتى الديار المصرية بأن المرأة تتحقق من طهرها ونقائها من الحيض بانقضاء خمسة عشر يومًا أو بانقطاع أثر الدم تمامًا؛ أيهما أقرب، ويمكنها اختبار الانقطاع بأن تدخل قطنة بيضاء في محل الحيض؛ فإن خرجت ولم تحمل أثر دم كان ذلك علامة على طهرها، ولا تكلف نفسها بالاستيقاظ لتتفقّد نفسها، بل تفعل ذلك عند النوم، وفي أوقات الصلوات الخمس، والأصل في كل ذلك استمرار ما كانت عليه.
وأضاف أن الحيض موجبٌ للطهارة بدلالة الكتاب والسنة: فمن الكتاب قول الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ﴾ [البقرة: 222]، ومن السنة أحاديث كثيرة منها:
ما رواه الإمام البخاري في "صحيحه" عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».
وكذلك ما رواه الشيخان في "صحيحيهما" عن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلَاةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».
اقرأ أيضا:
كيف تصلي المصابة بسلس البول ..وهل يكفيها الوضوء لكل صلاة؟قال العلامة الشوكاني في "نيل الأوطار" (1/ 282، ط. دار الحديث): [والحديث يدل على أن المرأة إذا ميزت دم الحيض من دم الاستحاضة تعتبر دم الحيض وتعمل على إقباله وإدباره، فإذا انقضى قدره اغتسلت عنه، ثم صار حكم دم الاستحاضة حكم الحدث، فتتوضأ لكل صلاة، لا تصلي بذلك الوضوء أكثر من فريضة واحدة] اهـ.
والحيض لغةً: السيلان. يقال: حاض الوادي إذا سال.
وفي الشرع: دم جبلة؛ أي: خلقة وطبيعة، تقتضيه الطباع السليمة، يخرج من أقصى رحم المرأة بعد بلوغها على سبيل الصحة، في أوقات معلومة.
فالحيض: حدثٌ تختص به النساء، ويحرم به عليهنَّ ما يحرم بالجنابة من الصلاة، ولا يجب عليهنَّ أن يقضين ما فاتهن بسبب ذلك، وقراءة القرآن، ومس المصحف وحمله، والطواف، واللبث في المسجد، إضافة إلى الجماع، والصوم ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة، والمرور من المسجد إلا إذا أمن التلويث.
قال العلامة أبو شجاع الأصفهاني في "متن أبي شجاع المسمى الغاية والتقريب" (ص: 6، ط. عالم الكتب): [ويحرم على الجنب خمسة أشياء: الصلاة، وقراءة القرآن ومس المصحف وحمله والطواف واللبث في المسجد] اهـ.
ويضاف إلى ذلك الصيام، إلا أنه يجب عليها قضاؤه، بخلاف الصلاة، وعبور المسجد إذا خافت تلويثه، والوطء؛ قال الإمام النووي في "منهاج الطالبين وعمدة المفتين" (ص: 19، ط. دار الفكر): [ويحرم به ما حرم بالجنابة، وعبور المسجد إن خافت تلويثه، والصوم ويجب قضاؤه بخلاف الصلاة، وما بين سرتها وركبتها وقيل: لا يحرم غير الوطء] اهـ.
والراجح من أقوال الفقهاء أنَّ أقل مدة الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليهنَّ، وهو المفتى به؛ قال العلامة ابن حجر الهيتمي في "المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية" (ص: 64، ط. دار الكتب العلمية): [(وأقل) زمن (الحيض) تقطع الدم أو اتصل (يوم وليلة) أي قدرهما متصلًا وهو أربع وعشرون ساعة، فما نقص عن ذلك فليس بحيض، بخلاف ما بلغه عن الاتصال أو التفريق، فإنَّه حيض وإن كان ماء أصفر أو كدرًا ليس على لون الدم؛ لأنه أذى فشملته الآية. (وأكثره) زمنًا (خمسة عشر يومًا بلياليها) وإن لم يتصل (وغالبه ست أو سبع)، كل ذلك باستقراء الإمام الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه؛ إذ لا ضابط له لغةً ولا شرعًا، فرجع إلى المتعارف بالاستقراء] اهـ.
والطهارةُ لغةً: النظافةُ، والطُّهْرُ: الخلوص من الأدناس والنجاسات. والطهر من الحيض يتحقق إما برؤية الماء الأبيض الذي يخرج من فرج المرأة في آخر الحيض ويسمى القَصَّة، أو بانقطاع الدم، أي: جفافه، بحيث إذا وضعت خرقة خرجت غير ملوثة بدمٍ أو كُدرةٍ، أو صُفرةٍ، ولا يضر بلل الخرقة بما دون ذلك من رطوبة الفرج؛ قال العلامة ابن قاسم الحنبلي في "حاشية الروض المربع" (1/ 396، ط. بدون ناشر): [والقَصَّة بفتح القاف: ماء أبيض يتبع الحيض، يشبه ماء الجص، شبهت الرطوبة النقية؛ لبياضها بالجص، وقال بعضهم: يشبه ماء العجين، وقيل: يشبه المني، ويحتمل أنه يختلف باعتبار النساء وأسنانهن، وباختلاف الفصول والبلدان والطباع، وغالب ما يذكره النساء شبه المني] اهـ.
روى الإمام مالك في "الموطأ" عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِى عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ؛ أي اللفافة فيها القطن، فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضَةِ يَسْأَلْنَهَا عَنِ الصَّلَاةِ فَتَقُولُ لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ".
إلا أنَّ الفقهاء اختلفوا فيما يعتبر علامةً لانتهاء الحيض ووجود الطهر، هل الجفاف أم الْقَصَّةَ؟
فذهب فقهاء الحنفية إلى أن علامة الطهر هي الجفاف، واختلفوا في التعبير عنه، فمنهم من عبر عنه بالبياض؛ قال العلامة المرغيناني الحنفي في "الهداية في شرح بداية المبتدي" (1/ 33، ط. دار إحياء التراث): [(وما تراه المرأة من الحمرة والصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض) حتى ترى البياض خالصًا] اهـ. أي: بياض الخرقة؛ قال العلامة ابن نجيم المصري الحنفي في "البحر الرائق شرح كنز الدقائق" (1/ 203، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ويقال: إن الْقَصَّةَ شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدم كله، ويجوز أن يراد انتفاء اللون وأن لا يبقى منه أثر ألبتة، فضرب رؤية القَصَّةَ مثلًا لذلك؛ لأن رائي القصة غير رائي شيء من سائر ألوان الحائض. اهـ. فقد علمت أن القصة مجاز عن الانقطاع وأن تفسيرها بأنها شيء كالخيط ذكره بصيغة يقال الدالة على التمريض، ويدل على أن المراد بها الانقطاع] اهـ.
ويرى فقهاء الشافعية أن الغاية هي الانقطاع كذلك، فإذا انقطع الدمُ طهرت المرأة، سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا؛ قال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (2/ 543، ط. دار الفكر): [علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر أن ينقطع خروج الدم، وخروج الصفرة والكدرة، فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا] اهـ.
اقرأ أيضا:
أحب شخصًا في الله لكنه لا يحبني.. فهل ينطبق علينا حديث ورجلين تحابا في الله؟ويرى فقهاء الحنابلة أن العلامة هي الجفوف لمن لا ترى القَصَّة، أو القَصَّة لمن اعتادتها؛ قال العلامة ابن قاسم الحنبلي في "حاشية الروض المربع" (1/ 396، بدون طبعة): [والحاصل أن الطهر بجفوف أو قصة، فإن كانت ممن ترى القَصَّة البيضاء اغتسلت حين تراها، وقال مالك: هو أمر معلوم عندهن، وإن كانت ممن لا تراها، فحين ترى الجفوف تغتسل وتصلي، والجفوف أن تدخل الخرقة فتخرجها جافة ليس عليها شيء من الدم، ولا من الصفرة، ولا من الكدرة؛ لأن فرج المرأة لا يخلو من الرطوبة غالبًا] اهـ.
أما فقهاء المالكية ففرَّقوا بين: المرأة التي تعتاد الجفوف، والمرأة التي تعتاد القَصة، والمرأة التي تعتاد القَصَّة والجفوف معًا، ويرون أن التي اعتادت الجفوف إذا رأت القَصَّة أولًا يكون عليها أن لا تنتظر الجفوف، وإذا رأت الجفوف أولًا يكون عليها أن لا تنتظر القصة، وأنَّ التي اعتادت القَصة فقط، أو القَصة مع الجفوف، إذا رأت الجفوف أولًا يسن لها أن تنتظر القَصَّة حتى آخر الوقت المختار، أما إذا رأت القَصَّة أولًا فإنها لا تنتظر شيئًا بعد ذلك لأن القَصَّة عندهم أبلغ للتي اعتادتها، وللتي اعتادتها مع الجفوف أيضًا.
كما يتحقق الطهر من الحيض بانقضاء المدة المقدرة بخمسة عشر يومًا -أكثر مدة الحيض-؛ فإن زاد على هذه المدة فيعتبر استحاضة باتفاق الفقهاء؛ قال العلامة القدوري الحنفي في "مختصر القدوري" (ص: 9، ط. دار الكتب العلمية): [وأقل الطهر خمسة عشر يومًا ولا غاية لأكثره، ودم الاستحاضة هو ما تراه المرأة أقل من ثلاثة أيام أو أكثر من عشرة أيام] اهـ.
أما عن وقت تفقد الحائض طهرها ونقاءها فلا تُطالَبُ بأن تتفقد نفسها ليلًا لتنظر هل طهرت أم لا، وإنما يطلب ذلك منها عند النوم وعند صلاة الصبح وغيرها من الصلوات.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان النساء يجدن المصابيح، ولذا قال الإمام مالك رضي الله عنه: لا يعجبني. (بل) يجب نظره (عند النوم) ليلًا لتعلم هل تدرك العشاءين والصوم أو لا، فإن قلت: إن وجدته عند النوم فيحتمل ارتفاعه قبل الفجر فتجب العشاءان والصوم، وإن رأت علامة الطهر عنده فيحتمل عوده قبله فيسقطهما، فجوابه أن الأصل استمرار ما تجده في الحال من حيض أو طهر إلى الفجر فلا يعتبر الاحتمال. (و) عند دخول وقت (الصبح) وكذا غيرها من الصلوات الخمس وجوبًا موسعًا إلى أن يبقى منه ما يسع الغسل والصلاة، فيجب وجوبًا مضيقًا إن رأته منقطعًا عند الصبح وشكت هل انقطع بعد الفجر أو قبله؛ بحيث تدرك العشاءين والصوم، سقطت العشاءان إذ الأصل استمراره إلى الفجر، وتمسك بقية يومها إن كانت في رمضان؛ لاحتمال طهرها قبله، وتقضيه؛ لاحتمال طهرها بعده، ولأنها لم تُبَيِّت الصوم] اهـ.
وقال العلامة ابن قاسم الحنبلي في "حاشية الروض المربع" (1/ 396، ط. بدون ناشر): [وقال بعض السلف: لا يلزم المرأة أن تتفقد طهرها بالليل، ولا يعجبني ذلك، ولم يكن للناس مصابيح كما قالته عائشة رضي الله عنها وغيرها، وإنما يلزمها ذلك إذا أرادت النوم، أو قامت لصلاة الصبح، وعليهن أن ينظرن في أوقات الصلوات، وليس تفقد طهرها بالليل من عمل الناس، وقال ابن رشد: كان القياس يجب عليها أن تنظر قبل الفجر بقدر ما يمكنها إن رأت الطهر أن تغتسل وتصلي المغرب والعشاء قبل طلوع الفجر] اهـ.
وبناءً على ذلك: فتتحقق المرأة من طهرها ونقائها من الحيض بانقضاء خمسة عشر يومًا أو بجفاف الدم، أو أن تدخل قطنة بيضاء في محل الحيض؛ فإن خرجت ولم تحمل أثر دم كان ذلك علامة على طهرها، وتحرص المرأة على تفقد طهرها عند النوم ليلًا، وفي أوقات الصلوات الخمس؛ حتى تعلم حكم الصلاة والصوم، والأصل في كل ذلك استمرار ما كانت عليه.