من يمتلكون القوة لهم دور كبير في حسم العديد من الأمور، وخصوصًا أثناء الحرب، أو وقت الشدة، ولكن إذا تدبرنا الأمر جيدًا، سنجد أن الله النصر ورفع البلاء العام إنما يأتي من الله سبحانه وتعالى وحده، وبالتالي، هل يحتاج الله عز وجل إلى القوة لينصر عباده؟.. بالتأكيد لا، لأنه باختصار القوي الشديد، الذي يقول للشيء كن فيكون، إذن هناك أمورًا أخرى يأخذ بها الله لنصرة الناس، أو لإخراجهم من البلاءات ليس من بينها القوة.
في حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنهما، قال: رأى سعد أن له فضلاً على من دونه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم»، ويبين الحديث أنه إذا كان الله عز وجل ينصر بالقوي المسلمين بشجاعته وقوته في محاربة الأعداء، فإنه تعالى ينصر المسلمين أيضًا بدعاء ضعفائهم.
علو شأنهم
الإسلام لاشك أعلى شأن الضعفاء من المسلمين، بل وكان لكثير من الصحابة الكرام (الفقراء) منزلة عظيمة عند الله عز وجل، ولذلك حاول الكثيرين من الكفار إبعاد النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم عن المستضعفين والفقراء من أصحابه الذين آمنوا به، كخباب، وعمار، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية، وغيرهم ممن لهم منزلة كبيرة عند الله، وإن لم يكن لهم جاه ومنزلة عند الناس.
فبين الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم، علو شأن هؤلاء الصحابة الكرام، ومنزلتهم العالية عند الله، والتي يجهلها الكفار ويحاولون أن ينالوا منها، بل ويزيد الله على ذلك أن نهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن طردهم أو إبعادهم، فأنزل الله تعالى قوله: « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ » (الكهف: من الآية28) .
اقرأ أيضا:
كيف يكشف الشح عوراتك أمام الأخرين؟النبي مع الضعفاء
إذن المتتبع لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، سيجد أنه كان رسولاً للناس كافة، للأسياد والعبيد، والفقراء والأغنياء، والرجال والنساء، وللعرب والعجم، قال الله تعالى: « وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ » (سـبأ:28)، ومن خلال حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم نرى أن تعامله مع الضعفاء والمساكين كان له شأن خاص، يعيش معاناتهم، ويقضي حوائجهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويواسي فقيرهم، ويرحم ضعيفهم.
عن سهل بن حنيف رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم ، ويعود مرضاهم ، ويشهد جنائزهم»، وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه في وصفه للنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، قال : «ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته».