الإيمان بالقضاء والقَدَر في الإسلام وهو حكم الله وما قدره من الأشياء بقدرته في سابق علمه، وللإيمان بالقدر أهمية كبرى بين أركان الإيمان عند المسلمين، حيث ورد التنصيص في السنة النبوية على وجوب الإيمان بالقدر خيرا كان أو شرا. والقدر هو تقدير الله تعالى للكائنات حسبما سبق به علمه، واقتضته حكمته.
ومن الثابت أن هناك ارتباطا مباشرا بين القضاء والقدر والإيمان بالله وكونه مبنياً على المعرفة الصحيحة بالذات الالهية وأسمائه الحسنى، وصفاته الكاملة الواجبة له، وقد جاء في القدر صفاته سبحانه صفة العلم، والإرادة، والقدرة، والخلق، ومعلوم أن القدر إنما يقوم على هذه الأسس.
ويعد الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله على الوجه الصحيح، وهو الاختبار القوى لمدى معرفته بربه، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله، وبما يجب له من صفات الجلال والكمال، وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها.
العديد من الفقهاء رأوا أن الإيمان بالقدر هو التصديق الجازم بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه الفعّال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا مَحيد لأحد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خُط في اللوح المسطور، وأنه خالق أفعال العباد والطاعات والمعاصي،
ومع ذلك فقد أمر العباد ونهاهم، وجعلهم مختارين لأفعالهم، غير مجبورين عليها، بل هي واقعة بحسب قدرتهم وإرادتهم، والله خالقهم وخالق قدرتهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون.
وفي نفس السياق قال النبي محمد «لو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه عذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهبا في سبيل الله ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير هذا لدخلت النار.
ومن ثم وبحسب الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فينبغي على المسلم أن يعتقد اعتقاداً جازماً بأنه لا فعل إلا لله, وأن كل ما يجري في الكون, وكل ما جرى, وكل ما سيجري, هو فعل الله سبحانه وتعالى, وأن الله كتب هذا الفعل من الأزل.
وأشار الدكتور جمعة أنه توجد حكمة عالية في قضية القضاء والقدر, وهي حكمة الابتلاء بمسألة الرضا عن الله, فالإنسان لا يعلم ماذا كتب عليه غداً؛ ولذلك من حقه أن يتمنى, وأن يسعى إلى تحقيق ما هو مباح ومشروع, فعندما لا تتحقق هذه الأماني والأحلام
وبل يختلف ما رتبه المخلوق مع ما أراه الخالق يظهر الإيمان الحقيقي, فإذا كان ما كتبه الخالق أحب إليه مما رتبه لنفسه فذلك المؤمن الصالح, وإن أبى واعترض وسخط فذلك العاصي الجاهل, وقد يترتب على عدم رضاه وسخطه الخروج من الملة والعياذ بالله.
ومن الثابت بحسب أهل العلم فالإيمان بالقضاء والقدر هو التعبير الفعلي للإيمان بالله, فإن كنت تؤمن بوجود الله وصفات كماله وجلاله وجماله, فيجب أن تؤمن بأثر هذه الصفات وهي أفعاله تعالى, فالإيمان بأفعال الله أن تؤمن بأنه لا فعل إلا الله, وأن ترضى بما يصدر في الكون عن الله حتى تكون عبداً ربانياً.
اقرأ أيضا:
تعرف على آخر وقت التكبير في عيد الأضحىويجمع الفقهاء وفقا لمنشور الدكتور جمعة فلا تنافي بين اعتقادك أن الفعل لله وحده, وبين كونك مختاراً مريداً, فإن اختيار الإنسان وإرادته محسوس لا ينكره عاقل, ومن أنكره كَذًب بالمحسوس, وكَذًب بنصوص القرآن, التي أثبتت للإنسان قدرة ومشيئة واختياراً, قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}, وقال سبحانه: {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ}, فالصواب أن تثبت لنفسك فعلا واختياراً, وأن تعتقد أن الله هو الفعال وهو صاحب الأمر, ولا يخرج أمر من دائرة قهره سبحانه.