من لا يغتاب أقاربه، ولا يسيء لهم، فهل يعد واصلًا لأرحامه، وإن كان لا يزورهم؟ ومن يصل أقاربه، ويغتابهم، فهل يعد قاطعًا لهم؟ أرجو الإفادة -جزاكم الله خيرًا-.
قال مركز الفتوى بإسلام ويب: إن الشرع واللغة لم يأتيا بتحديد الصلة الواجبة والقطيعة المحرمة، فالمرجع في تحديدهما هو العرف الجاري بين الناس، قال الشيخ محمد الصالح العثيمين -رحمه الله-: "وصلة الأقارب بما جرى به العرف واتّبعه الناس؛ لأنه لم يبيّن في الكتاب ولا السنة نوعها، ولا جنسها، ولا مقدارها؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقيده بشيء معين، بل أطلق؛ ولذلك يرجع فيها للعرف، فما جرى به العرف أنه صلة فهو الصلة، وما تعارف عليه الناس أنه قطيعة فهو قطيعة." انتهى.
فكل ما تحصل به الصلة وينتفي به وصف القطيعة عرفًا، تتحقق به الصلة الواجبة، وتنتفي القطيعة المحرمة شرعً
ومجرد ترك الغيبة، أو ترك الإساءة؛ هذا وحده لا تتحقق به صلة الرحم في العرف؛ فالناس لا يَعُدُّون من قطع زيارتهم، وترك السؤال عنهم واصلًا للرحم -وإن كان لا يغتابهم، ولا يسيء إليهم-، بل قطع الزيارة، وترك السؤال في العرف، من الإساءة؛ لأنه هجر.
ومن وصل رحمه بالزيارة، والسؤال عنهم، ونحو ذلك، مما يعتبر صلة، ولكنه يغتابهم؛ فقد جمع بين الإحسان والإساءة، وهو آثم للغيبة، ومأجور على الصلة، فيثاب لطاعته، ويأثم لمعصيته، ولا يقال: إنه قاطع للصلة بإطلاق، وقد قال الله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ {الزلزلة:7-8}.
مركز الفتوى تابع قائلًا: وقد اختلف الفقهاء فيما تكون به القطيعة، فقال بعضهم: بالإساءة، وقال بعضهم: بترك الإحسان، قال ابن حجر الهيتمي في الزواجر عن اقتراف الكبائر: الْمُرَادُ بِقَطِيعَةِ الرَّحِمِ مَاذَا؟
فِيهِ اخْتِلَافٌ: فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ بْنُ الْعِرَاقِيِّ: يَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِالْإِسَاءَةِ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَنْبَغِي اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَدَّى إلَى تَرْكِ الْإِحْسَانِ؛ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ آمِرَةٌ بِالصِّلَةِ، نَاهِيَةٌ عَنْ الْقَطِيعَةِ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا، وَالصِّلَةُ إيصَالُ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِحْسَانِ؛ لِمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ، فَالْقَطِيعَةُ ضِدُّهَا، وَهِيَ تَرْكُ الْإِحْسَانِ. اهــ.
وعلى هذا؛ فمن هجر رحمه، فترك زيارتهم، ولم يسأل عنهم؛ فقد أساء إليهم، وهو قاطع للرحم -وإن كان تاركًا لغيبتهم-.
ومن أحسن إلى رحمه بالزيارة، ومّد يد العون، ولكنه يغتابهم؛ فقد جمع بين إحسان وإساءة، وبين صلة وقطيعة.
اقرأ أيضا:
حقوق الزوجة إذا طُلِّقت من زوجها بناء على طلبها لأسباب معتبرة؟اقرأ أيضا:
أتنازل عن بعض حقوقي لزوجتي حتى لا أشعرها بأنها أسيرة .. ما الحكم؟