تقول الحكمة: «الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس»، فما مدى صحة هذه المقولة؟.. إذا تم تفسير الجملة من أن المقصود بها الاستئناس بالناس بعيدًا عن الله عز وجل، فهي لاشك صحيحة مئة بالمئة، ولكن ليس في الاستئناس بالناس عيب مادامت الأمور تسير في اتجاه ما حدده الشرع الحنيف، من حسن المعاملة والمعاشرة، وحسن الجوار، وحسن الخلق، والقول الحسن، وغيرها من الأمور الطيبة التي حث عليها رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم.
فقد يكون هناك البعض ممن لا يستأنسون إلا بالله، ومهما تزايد الناس حولهم، لم يدركوا إلى حقيقة واحدة وهي أن الله معهم أينما كانوا، فتراهم كأنهم يعيشون في (عالم آخر)، لا ندري أين هو، فهم فقط من يعلم أين يجدوا الله؟.. في جنبات الليل والناس نيام، أو في الصلاة المفروضة، أو في التسبيح، أو في الذكر، وكلها أمور ترفع من شأن صاحبها لاشك، لأنها تجعله عبدًا ربانيًا.
حقيقة الاستئناس
أما عن حقيقة الاستئناس، فمما لاشك فيه أن الاستئناس بالناس عند بعض الناس إفلاس، وقد يكون الاستئناس بالناس عند بعض الناس معية إلاهية، وبالتالي يكون هذا الاستئناس ربانية بلا التباس، فمن رأى أن الله يُؤْنِسُهُ فيمن حوله فهذه ربانية والاستئناس برب الناس، ومن لم ير الله فيمن حوله فهو إفلاس لعدم رؤية الله في الناس.
فالله عز وجل هو الذي يؤنس عبده سواء أدرك العبد هذا أم لم يدركه، ذلك أنه دائما ما يكون أن الوكيل هو الذي يؤنس عباده سواء علموا به وأدركوا وجوده معهم أم لم يُدْركوا، لكن حقيقة الاستئناس كما قال أحد الحكماء هو في أن "اللطيف يخفي أنسه في إنْسه.. والجميل يُجمّلُ أوقاتنا بما نراه حولنا فيتعرف البعض على الجميل فى الجمال ، والبعض الآخر يرى الجمال ولا يرى الجميل، فمن جمال الجميل ؛ أن يُرِي الجمال من عرف الجميل ، ومن لم يعرفه ".
الأنس بالله
الأنس بالله من علامات صحة القلب، وكما أنه لا نسبة لنعيم ما في الجنة إلى نعيم النظر إلى وجهه الأعلى سبحانه ، فلا نسبة لنعيم الدنيا إلى نعيم محبته ومعرفته والشوق إليه والأنس به ، بل لذة النظر إليه سبحانه تابعة لمعرفتهم به ومحبتهم له ، فإن اللذة تتبع الشعور والمحبة ، فكلما كان المحب أعرف بالمحبوب وأشد محبة له كانت لذته ومتعته بقربه ورؤيته ووصوله إليه وأنسه به أعظم، فالأنس بالله مقام عظيم من مقامات الإحسان الذي قال عنه النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ».
اقرأ أيضا:
سلامة الصدر.. خلق الأنبياء وصفة أهل الجنة وسمت الصالحين