جعل الله عز وجل للإنسان هدفًا نبيلاً وغاية عظيمة، تكشف مدى رقيه وعظمة خلقه، وذلك من خلال قول معروف، أو نهي عن منكر، فالإنسان كائن يتميز بالرقي، ويختص بالعقل والحكمة، فإذا تخلى عن رقيه وعقله وحكمته، لم يفرق بينه وبين الحيوان شيء، سوى الكلام الذي يخرج من اللسان، وهي الصفة الوحيدة التي يختلف بها الإنسان عن الحيوان، فأوجب عليه الله عز وجل أن يسخرها في سبيل عقله وحكمته، ليتبين مدى رقيه عن غيره.
فحينما جاء معاذ بن جبل رضي الله عنه يسأل عن ما يتفوه به من على لسانه، في حديث النبي صلى الله عليه وسلم المشهور، حذر النبي معاذ بن جبل حينما أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: "كُفَّ عَلَيْك هَذَا. قُلْت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْك أُمُّك وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟!".
فالإنسان لم يخلق لكي يطلق لسانه مثل الحيوانات التي لا تكف عن العواء حين تجوع أو حين تريد أن تدرك شهوتها، فالكلام شهوة مثل شهوة البقاء والتناسل لدى الحيوانات، ولكن الإنسان خلق لغاية عظيمة، قال تعالى في سورة الإسراء: " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (70)".
وقال تعالى أيضا: " { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } [الذاريات: 56].
مهنة الأنبياء والأخيار
فالدعوة إلى الله والحفظ على اللسان إلا فيم يدعو إلى حق أو ينهى عن منكر، هي مهنة عظيمة اختص الله بها عز وجل الأنبياء والأخيار، وذكر الله تعالى جماعة من الأنبياء في سورة النساء، ثم قال: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165].
فوظيفة الأنبياء هي دعوة الناس إلى الله تعالى تبشيرًا بالخير وتحذيرًا من الشر، قال تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب:45-46].
وأمر الله عز وجل النبي أن يبين لأمته أن هذه وظيفته ووظيفة أتباعه من الأخيار والمؤمنين، فقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108].
فقول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33) يعني أن الدعوة إلى الله هي وظيفة الرسل والأنبياء والأخيار من الناس والمؤمنين، فكلهم مأمورون بدعوة الناس إلى توحيد الله وطاعته، وإنذارهم عن الشرك به ومعصيته، وهذا مقام شريف، ومرتبة عالية لمن وفقه الله تعالى للقيام بها على الوجه الذي يرضي الله تعالى.
والصالحون هم من حملوا شرف هذه المهمة، قال تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} [يس:20].
روى مسلم في صحيحه من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال لعلي لما أرسله لقتال اليهود في خيبر: ا «نفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه فوالله لأن يهدي الله بك رجل واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم».
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا» .
اقرأ أيضا:
حسن الخاتمة وسوء الخاتمة لهما أسباب.. تعرف عليهافهذا الشرف العظيم في الدعوة إلى الله له فضل وثواب عظيم، فإن الداعي إلى الله يجري له ثواب من اهتدى بدعوته وهو نائم في فراشه، أو مشتغل في مصلحته؛ بل إن ذلك يجري له بعد موته، لا ينتهي ذلك إلى يوم القيامة.
والداعون إلى الله بعمل الخير والنهي عن الشر، هم أحسن الخلق قولاً وعملاً ومرتبة، حين دعوا إلى الله ودلوا الناس على طريقه و بيان توحيده وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، وحذروهم من الشرك والمعصية والفواحش ما ظهر منها وما بطن، فأصلحوا من أنفسهم وزكوها فعملوا الصالحات وأخلصوا لله العبادة و الطاعة وانقادوا لأوامره وانتهوا عن زواجره.
وفي قوله تعالى : {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت 33]، استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا. أي: كلامًا وطريقة، وحالة { {مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} } بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، وقول الحق والنهي عن الباطل.
فكلمة الحق والدعوة إلى الله هي أصل دين الإسلام بمجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل على حب الناس في دين الله، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، والترغيب في العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله، والحث على الخير، بكل طريق موصل إليه، من مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.