السؤال الأبرز عبر محركات البحث خلال الأيام الأخيرة يدور حول دعاء ليلة القدر، وماهي علاماتها، وكيف نتحراها؟، وكيف يتقبل الله دعاءنا بأن نكون من أهل ليلة القدر، وكلها أمور عظيمة، ولكن شرطها لكي تتحقق هو الحب واليقين في الله عز وجل، فبدون السر الذي بين العبد وربه من الحب واليقين في الله لن ترى ليلة القدر، ولو عملت بعمل أهلها ألف عام.
فالمؤمن المحب لله والموقن به، يجمع إحسانا وخشية، والمنافق يجمع إساءة وأمنا.
ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في غاية العمل مع غاية الخوف.
بل من تأمل حال النبيين وجدهم كذلك "فالمؤمن العالي الهمة يجتهد في نيل مطلوبه ويبذل وسعه في الوصول إلى رضى محبوبه ، فأما خسيس الهمة فاجتهاده في متابعة هواه، ويتكل على مجرد العفو، فيفوته- إن حصل له العفو- منازل السابقين المقربين.
لذلك انظر للنبي صلى الله عليه وسلم في نصيحته للسيدة عائشة عن ليلة القدر، فما أعظم سؤال السائل وما أعظم جواب المسئول، فالسيدة عائشة تمتلئ بالحب واليقين في رحمة، وتجتهد في العمل لكي تكون من أهل ليلة القدر، ولكن الأزمة هنا والتي تسأل عنها عائشة بقلب المحب لربه، ماذا تفعل لو صادفتها هذه الليلة المباركة، وكيف تتصرف، وبماذا تدعو وهي تجد نفسها وقد وقفت أمام تلك الرحمة الربانية والنفحات النورانية؟.
استحضار الهمة
فيجيبها النبي صلى الله عليه وسلم بما لا مثيل له في استحضار الهمة والتعبير عن الحب والاعتراف بالذنب والتقصير، فيقول لها صلى الله عليه وسلم: " قولي: اللهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ، فَاعْفُ عَنِّي" .
فحرص عائشة رضي الله عنها على تعلم ما ينفعها وهي أفقه نساء الأمَّة على الإطلاق، بعد أن تعلمت في مدرسة النبوَّة، ومع ذلك حرصت على أَنْ تتعلم من النبي أفضل ما يقال في ليلة القدر، وفي هذا دليل على أَنَّ العبد مهما بلغ فهو محتاج بل مضطر إلى معرفة الأمور التي ينبغي الحرص عليها، والجد في طلبها.
ليجيبها النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العفو، في كل وقت وحين لأنه أمر مرغوب وردت به نصوص كثيرة ، حتى إِنَّ العباس بن عبد المطلب سأل رسول الله أكثر مِنْ مَرَّةٍ أَنْ يرشده الى شيء يدعو الله به فأجابه الرسول في كل مَرَّةٍ بقوله: « سَلِ اللهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ » .
يقول الحافظ ابن رجب عن هذه الحكمة في قوله : وإنما أمر بسؤال العفو في ليلة القدر -بعد الإجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر -لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملا صالحا ولا حالا ولا مقالا ، فيرجعون إلى سؤال العفو ، كحال المذنب المقصر.
اقرأ أيضا:
ليست كلها ضدك.. أسباب تحول بينك وبين استجابة الدعاءسيد الاستغفار
لذلك كان في حديث سيد الاستغفار للنبي صلى الله عليه وسلم: "أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي" فالمؤمن لا يرى نفسه إلا مقصرا مذنبا ولا يرى ربه إلا محسنا.
والدعاء بهذا اللفظ يتضمن أدبا من آداب الدعاء المهمة، وهو الثناء على الله تعالى بما هو أهله وبما يناسب مطلوب الداعي.
وقد أرشدنا الله تعالى إلى هذا الأسلوب والأدب في نصوص كثيرة أشهرها سورة الفاتحة ، فالسورة نصفان ، الأول تمجيد وثناء من العبد على ربه ، والثاني سؤال من العبد لربه ،وقد ورد ذلك مفصلا في الحديث القدسي وفيه :(قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي)
كما أن في الدعاء استشعار لحسن الظن بالله تعالى، فيعمر قلب المؤمن بالرجاء، وعائشة رضي الله عنها رغم مكانتها حرصت على سؤال النبي ماذا تقول في ليلة القدر فيجيبها النبي الكريم بسؤال الله العفو ، فإذا كان هذا شأن الصديقة بنت الصديق فكيف بمن دونها.
فأفضل ما يأخذ العبد حظه من اسم الله تعالى هو «الْعَفُوُّ»، فإذا تاب الله على عباده محا سيّئاتهم، إذ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له.