الله عز وجل أرسل إلينا رسولاً هو أرحم بنا من أنفسنا، إذ أنه لم يترك لنا أي شيء إلا ووجهنا نحو الصحيح فيه، وحذرنا من الخطأ، حتى لا نقع فيه، فكما كان يعلم أصحابه طرق الخير، كان أيضًا يحذرهم من طرق الشر والوقوع فيها، ذلك أن النفس البشرية مجلوبة على حب الاستطلاع، وهي أمور قد توقع في براثن الشر كله وهو لا يدري.
ومن هذه المحاذير التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الكبر، وتأكيده بأن صاحبه ليس من أهل الجنة أبدًا، ولن يدخلها يومًا، وهو تحذير لو تعلمون عظيم.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة؟، فقال رسول الله: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بَطَر الحق وغمْط الناس».
مغفرة الذنوب
لكن قد يقول قائل إن الله يغفر كل الذنوب دون أن يشرك به، لقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ» (النساء:48)، وفي ذلك يقول العلماء: إن كان تكبره على قبول الحق والإيمان بمعنى أنه رد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك فإنه لا يدخل الجنة، وليس هناك حاجة لمثل هذه المحامل والتأويلات، وإنما يقال: لا يدخل الجنة من كان في قبله مثقال ذرة من كبر، بمعنى أنه يمحص في النار ثم بعد ذلك حينما يُطهر وينزه يدخل الجنة، فيكون مصيره ومآله إلى الجنة.
لذا علينا أن نحذر الكبر، لأن بسببه أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرد من رحمة الرحمن، قال تعالى: « إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ * فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ » (ص: 71 - 74).
اقرأ أيضا:
سنة نبوية مهجورة .. من حرص علي إحيائها قربه الله من الجنةخلق شيطاني
إذن التخلق بصفة الكبر، فإنما هي التخلق بصفة من أسوأ صفات الشيطان وليعاذ بالله، وهو أول ذنب عصي الله به، وهو من أسباب الكفر والضلال، قال تعالى: « وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ » (العنكبوت: 39)، ومن ثم فهي صفة جالبة لغضب الرحمن، ولعذابه الشديد، ومانع من محبته سبحانه.
قال تعالى: « إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ » (النحل: 23)، ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي: «قال الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعزة إزاري، فما نازعني في واحد منهما عذبته».