لا يتورع بعض الناس عن السب واللعن لأتفه الأسباب، فحينما يمزح مع أصحابه يسب ويلعن، وحينما يشاهد مباراة الفريق الذي يشجعه يسب ويلعن مع كل لمسة لأي لاعب، وحينما يأكل الطعام ولا يعجبه يسب ويلعن، وحينما يبلغه رئيسه باجتماع عمل يسب ويلعن، فمثل هذا الإنسان من صدق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يكب في نار جهنم بسبب حصائد لسانه.
وقد نبه الله عز وجل على ان يكون لسان المؤمن عفيفا طاهرا، وألا يقول إلا القول السديد، قال تعالى في سورة الأحزاب: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71).
فاللسان عضو صغير، لكن أثره في الخير، أو الشر كبير، فهو المعبر عن قدر الإنسان وقيمته رفعة أو ضعة، وسب المسلم ولعانه من الفواحش التي نهى عنها الإسلام وحذر منها، وحذر منها النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان النبي بسباب أو لعان ولا فاحش ولا متفحش، والإنسان بلسانه:
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فإذا زل اللسان فقد يهلك بزله صاحبه في الدنيا أو الآخرة، واللسان قائد إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : «ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا» .
فمن أعظم آفات اللسان خطرا، وأبلغها أثرا، وأفتكها وأشرها السباب واللعان بين الناس، في الأسواق، وفي الطرقات وأماكن الاجتماع، وفي الجد والهزل، فكم يسمع السامع من يلعن زوجته، أو ولده، أو دابته، ومركوبه، والزمان والعيش والرزق الذي قُسم له.
ولا يجوز توجيه اللعن للغير حتى ولو كان كافرا، قال بعض العلماء: "حتى ولو كان الإنسان كافراً؛ فإنه لا يجوز لعنه بعينه ما دام حياً؛ فلعله أن يسلم ويهتدي إلى دين الحق"، وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: «اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا» بعد ما يقول: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»، فأنزل الله: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ» [آل عمران: 128] (رواه البخاري).
وعن عمران بن حصين قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة»" قال عمران: "فكأني أراها تمشي في الناس ما يعرض لها أحد" (رواه مسلم).
وإنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عقوبة لصاحبتها؛ لئلا تعود إلى مثل قولها؛ إذ الدابة لا تستحق اللعن، أو أن الله استجاب الدعاء باللعن لقوله: «فإنها ملعونة».
ولعن رجل ديكاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة» (رواه أحمد).
وقال أبو الدراء رضي الله عنه: "ما لعن أحد الأرضَ إلا قالت الأرض: لعن الله أعصانا لله".
وعن ابن عباس: "أن رجلا لعن الريح" وقال مسلم: "إن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه»" (رواه أبو داود والترمذي).
وقد جاء عن أبي كعب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به».
وترى بعض الناس حينما تضيق بهم معيشتهم، يلعنون الزمن، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» (رواه البخاري).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا البذيء ولا الفاحش».
وجاء عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار» (رواه أحمد والترمذي).
فاللعن مجلبة للإثم والبعد عن الرب تعالى، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث: "«ولعن المؤمن كقتله» أي في الإثم"، وهذا ذنب غير هين. وقال حذيفة رضي الله عنه: "ما تلاعن قوم إلا حق عليهم القول"، وقال ابن عمر رضي الله عنه: "إن أبغض الناس إلى الله كل طعان ولعان".
اقرأ أيضا:
رمضان محطة مهمة للتزود بالوقود.. لا تحرم نفسك منهاأين تذهب لعنتك؟
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذى لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها» (رواه أبو داود).
وليفكر اللاعن في غير الحق كم قد لعن نفسه! وهذا مثل ما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» (رواه البخاري).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» (رواه مسلم).