من الأشياء التي يجادل فيها الكثير من الناس بين الحين والأخر، مفاتيح الجنة والنار، حيث يعد البعض أن مسألة دخول الجنة ليس لها علاقة بما يعتقده العبد، بقدر ما يقدم من عمل صالح في الدنيا، فلا أساس عندهم للإيمان والمعتقد بقدر ما يقدمه من أبحاث علمية، أو أعمال خيرية، في حين يرى أخرون أن مفاتح الجنة حكر على أصحاب التدين القائم على أداء العبادة بحقها من صلاة وصيام ولحية وجلباب وتحرير المعتقد من أي شرك، فهي الأساس دون غيرها لضمان دخول الجنة.
كن عادلاً مع نفسك
ولقد فصل الله عز وجل في هذه القضية، بأنه سبحانه وتعالى هو صاحب الحق الوحيد في إدخال هذا الجنة وإدخال هذا النار، فقد يعمل أحدنا بعمل أهل الجنة طوال عمره ثم يختم الله عليه بعمل أهل النار، وقد يعمل أخر بعمل أهل النار طوال عمره ثم يتوب الله عليه ويختم له بعمل أهل الجنة.
فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء منن عباده، إن يشأ يدخل هذا الجنة وذاك النار، ولكن أليس من العدل ألا تؤمن بهذا الإله الذي يملك مفاتيح الجنة والنار ثم تطالبه بأن يدخلك الجنة، فكيف تجحد حقه ونعمته عليك ثم تتألى وتجعل لنفسك مكانا في بيته، مالكم كيف تحكمون؟، أليس من العدل أن تطلب من ربك الذي تعتقد فيه وهو لا ينفع ولا يضر أن يدخلك مكان ما تشاء لنفسك، لطالما أنك لا تؤمن بالإله الواحد، فالله يقول في حديث قدسي: " مَن لم يرض بقضائي, ويصبر على بلائي، فليتمس ربًّا سواي".
وعلى الجانب الأخر، هل تضمن يا صاحب التدين الشكلي أنك وفيت وكفيت بصلاتك وصومك ما عليك من عمل وما عليك من نعمة لله عز وجل، هل تعبد الله كصاحب بيع تعط صلاة لتأخذ صحة وتعط صوما لتأخذ مالا وتعط لحية وجلبابا لتأخذ جنة، فهل ضمنت أن ما سددته يكفي لكي تشتري سلعة الله الغالية.
فقد تأتي بصوم وصلاة وزكاة، ولكن تحشر مفلسا يوم القيامة بمظلمة أحد العباد، أو بضياع حق من حقوق الله، فيحبط الله عملك، قال تعالى: "يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا".
فالله عز وجل خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، وأمرنا بإخلاص العبادة له، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ}[الزمر: 2].
الإخلاص هو الحل
فالإخلاص هو أصل المسألة، فليس الإخلاص في التدين الشكلي ولكن في الجوهر والعمل أيضا، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه أوحي إليه أن من أشرك مع الله غيره فقد حبط عمله، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[الزمر: 65].
وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}[البينة: 5].
وكان أنبياء الله ورسله على درجة عالية من العمل، ولكنهم مع ذلك كانوا على درجة أعلى من إخلاص العمل، وكذلك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يسأل صاحب سرِّ النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فيقول له: ناشدتك الله: هل عدَّني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين؟ فقال: لا، ولا أزكي أحداً بعدك.
لذلك يجب على الإنسان أن يحذر من أن يذهب عمله هباءا منثورا ويحبط عبادته؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ}[محمد: 33].
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتومن محبطات العمل:
1- الردة عن دين الله، قال تعالى: {وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 217].
وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً}[النساء: 137].
2- الشرك بالله ، قال الله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ}[التوبة: 17].
وقال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}[الأنعام: 88].
وقال الله سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ}[إبراهيم: 18].
3- عدم اعتقاد كفر الكفار، قال الله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[البقرة: 256]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل)).
4- الاستهزاء بشيء من دين الله تعالى، أو ثوابه، أو عقابه، قال الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة: 65-66].
5- النفاق الاعتقادي، قال الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}[المنافقون: 3].
6- ترك ركن من أركان الإسلام.
7- إتيان الكهان والعرافين وتصديقهم، فعن بعض أمهات المؤمنين قالت: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى كاهنا، أو عرافا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)).
8- التألي على الله عز وجل، وهو الإقسام على الله بأن لا يغفر لفلان، فعن جندب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَدَّث: ((أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله قال: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر لفلان؟ فقد غفرت لفلان وأحبطت عملك!!)).
9- انتهاك حرمات الله، فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله -عز وجل- هباء منثوراً))، قال ثوبان: يا رسول الله! صِفهم لنا؟ جَلِّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟. قال: ((أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)).
10- الشرك الأصغر، كيسير الرياء، قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ}[البقرة: 264]. وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله! أرأيت رجلاً غزا يلتمس الأجر والذكر ماله؟ قال: ((لا شيء له)) فأعاده عليه ثلاثاً كل ذلك يقول: ((لاشيء له)). ثم قال: ((إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً وابتغي به وجهه)).