عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الدنيا حلوة خَضِرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)) رواه مسلم.
خلق الله الإنسان، وجعله خليفة في الأرض، وسخر له كل شيء، وبين له طريق الخير وطريق الشر، وجعل مآله ومرجعه إليه سبحانه وتعالى ليحاسبه وليعطيه جزاءه حق الجزاء.
ومن الناس من يسعى لها سعيها، ولا يبالي بالدنيا أقبلت عليه أم أدبرت، وقوله "صلى الله عليه وسلم": "إن الدنيا حلوة خضرة" يفيد أمرين:-
الأول: أن لها حلاوة ما، على نحو ما، بقدر ما، لشخص ما، في زمن ما ينبغي أن يتمتع المؤمن بقدر ما يكتب الله له منها، ويشكر ربه على ما آتاه من فضله، فبالشكر تزداد النعم.
الثاني: أنها سريعة الزوال، لأن الخضرة لا تلبث أن تفسد أو تيبس أو تضمحل؛ فليأخذ المرء حظه منها، ويرضى به، فالرضا أعظم المقامات الإيمانية على الإطلاق، ليس بعده مقام يطلب، والراضون هم خير البرية، وهم الذين بدأهم الله بالرضا، فكان الفضل منه أولاً وآخراً.
العسل والنمل
وفي هذه القصة التي نستشرف فيها خطورة الانصياع لفتن الدنيا، حكم كثيرة، رغم أنها مأخوذة عن كائن النمل الصغير جدا، إلا أنها تضرب أروع الأمثلة في الحذر من متاع الدنيا، وتقول القصة:
سقط على الأرض قليل من العسل، فجاء بعض النمل فتذوقه، وحمل في فمه بعضًا منه، ثم حاول الذهاب إلى بيته، لكن مذاق العسل قد راق له، فأغراه بابتلاع ما في فمه، والعودة إلى العسل مرة أخرى، وأخذ رشفة أخرى، ثم أراد الذهاب، لكنه ضعف أمام العسل مرة أخرى، ولم يستطع مقاومة حلاوة العسل، ولم يعد يكتفي بارتشاف العسل من على حافته، وقرر أن يدخل في العسل أكثر وأكثر ليستمتع بحلاوة وطعم ومذاق العسل.
ودخل النمل في العسل، وأخذ يستمتع به دون توقف، وعندما أحس بالامتلاء والشبع حاول الخروج منه، لكنه لم يستطع الفكاك منه، لقد كبل العسل النمل تمامًا وشل حركته.
والتصق النمل بالعسل، ولم يستطع الحركة، وظل على هذه الحال إلى أن مات؛ فكانت إغراءات العسل هي سبب هلاكه؛ لأنه لم يقنع برشفة واحدة، وترك نفسه فريسة للطمع والملذات، ولو كان قد اكتفى بالقليل من العسل لنجا.
اظهار أخبار متعلقة
العبرة من القصة
بعد هذه القصة أخذت أنظر في حالنا، وحال الدنيا فالدنيا تشبه كمية العسل تلك، ونحن نشبه ذلك النمل الذي يرتشف منها، فمن اكتفى بالحلال من عسلها نجا من الهلاك، ومن ترك لنفسه العنان وجرى وراء الملذات والشهوات الحرام خسر وخاب.
الإسراف من الكبائر
الإسراف أحد الكبائر التي لابد من اجتنابها إذ يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) (67) الفرقان، والإنفاق لابد أن يكون وفقًا لشرع الله عبادة، وطاعة يثاب عليها، وفى هذا الخصوص يقول الله تبارك وتعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (البقرة: 167).
الرسول يأمرنا بتحري الحلال
وأمرنا الرسول الكريم محمد "صلى الله عليه وسلم" بتحري الحلال، وتجنب الحرام بصفة عامة، فقال: (إن الحلال بين، وإن الحـرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعـلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فـقـد استبرأ لديـنه وعـرضه، ومن وقع في الشبهات وقـع في الحرام؛ كـالراعي يـرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجـسد مضغة، إذا صلحـت صلح الجسد كله، وإذا فـسـدت فـسـد الجسـد كـلـه، ألا وهي الـقـلب) ( رواه البخاري ومسلم).يقول الحكماء ما الدنيا إلاّ قطرة عسل كبيرة ، فمن اكتفى بارتشاف القليل من عسلها نجا، ومن غرق في بحر عسلها هلك.
ويحذرنا من الانغماس في الملذات
قال "صلى الله عليه وسلم": «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة».