لاشك أن جميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا الأكثر تأدبًا بين البشر بعد الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولكن ممن ذكر بأنه كان من أكثرهم تأدبًا هو سيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه,

ومما ورد في سيرته، أنه كان له صديق في المدينة، وهذا الصديق يدعوه إلى بستانه ويقدم له عنقود عنب، وكان عليه أن يأكله كله.. فكان أبو ذر يأكل ويشكر، وهكذا لعدة أيام… ففي يوم قال أبو ذر: بالله عليك، كُلْ معي، فمد صاحب البستان ليأكل، فما تحمل الحبة الأولى، فإذا بها مرة حامضة، فقال: يا أبا ذر، أتأكل هذا من أول يوم؟!.. فقال: نعم. قال: لم لم تخبرني؟.. قال: أردت أن أدخل عليك السرور، فما رأيت منك سوءًا حتى أرد عليك بسوء، وكأنه والله يعلمنا كيف يكون الأدب والتأدب مع الناس وجبر خاطرهم، إنه لا يريد أن يخون صاحبه، بينما هناك اليوم أناس متخصصة في إدخال الحزن على أمم بأكملها.

نصير الفقراء

يعرف عن سيدنا أبي ذر بأنه نصير الفقراء، إذ كان يحث على ضرورة زيادة الزكاة لمساعدة الفقراء، إلا أنا ما لبث أن زهد الناس بعيدًا عنهم، ففي خلاقة عثمان رأى من إقبال الناس على الدنيا وانغماسهم في الترف ما أذهله ودفعه لاستنكار ذلك، وكانت له دعوة يحث بها الأغنياء على مواساة الفقراء والجيران والتنازل لهم عما زاد عن الحاجة حتى ولع الفقراء بمثل هذا وأوجبوه على الأغنياء، حتى شكا الأغنياء ما يلقون من الناس.

وكان يرى أن يوم فقر الإنسان الحقيقي، هو يوم يوضع في القبر، ومن أقواله: «ذو الدرهمين أشد حسابًا من ذي الدرهم»، وكان عنده أن في الأموال ثلاثةَ شركاء، هم كما قال: القدر: لا يستأمرك أن يذهب بخيرها أو شرها، من هلاك أو موت. والوارث: ينتظر أن تضع رأسك، ثم يستاقها وأنت ذميم. وأنت الثالث: فإن استطعت ألا تكون أعجز الثلاثة، فلا تكونن، فإن الله عز وجل يقول «لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ».

اقرأ أيضا:

أجمل ما قيل عن حسن الظن بالله.. لن تتخيل ما قاله "الإمام مالك" ليلة موته

أقوى اعتذار

أيضًا قيل في تأدبه أنه لما أخطأ قدم أقوى اعتذار عرفه التاريخ، إذ أنه حين قال ﺃﺑﻮ ﺫﺭ الغفاري لبلال بن رباح : ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺖ ﻳﺎ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗﺨﻄﺌنى؟! ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻼﻝ ﻣﺪﻫﻮﺷًﺎ غضبان، وقال: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻷرفعنك ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ، وبالفعل ﺘﻐﻴﺮ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ وقال: ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ؟.. ﺇﻧﻚ ﺍﻣﺮﺅ ﻓﻴك ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ!! ﻓﺒﻜﻰ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ وقال: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ: ﺍﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ، ﺛﻢ ﺧﺮﺝ ﺑﺎﻛﻴًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ، وأتى أبو ذر، ﻭﻭﺿﻊ ﺧﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ وقال: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺑﻼﻝ ﻻ أﺭﻓﻊ ﺧﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺄﻩ ﺑﺮﺟﻠﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﻥ !! ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻼﻝ ﻳﺒﻜﻲ ﻭاﻗﺘﺮﺏ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﺪ ﻭﻗﺎﻝ: ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ أﻃﺄ ﻭﺟهًا ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﺳﺠﺪة ﻭﺍﺣﺪة ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺎ ﻭﺗﻌﺎﻧﻘﺎ ﻭﺗﺒﺎﻛﻴﺎ.