ورد في الحديث الشريف أن الله تعالى يحب بل يفرح بتوبة العبد من ذنوبه ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَّر التائب بأن الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبته: " للَّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ رَجُلٍ نَزَلَ مَنْزِلًا وَبِهِ مَهْلَكَةٌ، وَمَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ نَوْمَةً، فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ، حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ الحَرُّ وَالعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي، فَرَجَعَ فَنَامَ نَوْمَةً، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَإِذَا رَاحِلَتُهُ عِنْدَهُ" .
فرح الله بتوبة عباده:
من جانبه يبين د. محمود عبدالعزيز أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف أن الله جل وعلا يفرح بتوبتك أشد من فرحك بهذه الدابة التي عادت وعليها طعامك وشرابك وأسباب نجاتك، فالله جلا وعلا (يحب التوابين)، قال تعالى: (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)، والنبي عليه الصلاة والسلام علمنا كثرة الاستغفار: " إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً", وقال رسول الله " يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ، فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَى اللهِ، وَأَسْتَغْفِرُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ ".
أحاديث عن النبي عليه الصلاة والسلام في فضل التوبة:
وذكر " عبد العزيز" قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا "، موجها كلامه للصائمين أن رمضان فرصتك للتوبة ولا أدل على ذلك من أن هناك في آخر الليل في وقت السحر ينزل ربنا سبحانه وتعالى نزولاً يليق بذاته سبحانه وتعالى ويقول: هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟
توبة الصائمين:
ويستطرد: يا من تريد أن يغفر الله جلا وعلا لك، يا من تريد أن يتوب الله جل وعلا عليك، هذا هو رمضان فرصتك للتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
ولذا من علامات توبة الإنسان أنه كثير البكاء من خشية الله هذه علامة يستأنس بها على توبة العبد.
قال الله جل وعلا: (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيراً جزاء بما كانوا يكسبون).
والنَدم على ما اقترفته يداك في حق الله جلا وعلا، والندم ألا تذكر المعصية إلا وقد انكسرت نفسك، نفس منكسرة حينما تذكر المعصية.
أما هؤلاء الذين يفاخرون بالمعاصي والذنوب فهؤلاء والله لم يتوبوا، كل من يفاخر بالمعصية التي ارتكبها في شبابه فهذا لم يتب إلى الله سبحانه وتعالى، لأنه لو تاب وتحققت فيه التوبة لما تفاخر بتلك المعصية.
الإقلاع عن الذنب شرط للتوبة:
ومن شروط التوبة الإقلاع، وما معنى الإقلاع؟ هو أن يترك الإنسان المعصية التي كانت سبب في بعده عن الله سبحانه وتعالى، يتخلص من كل هذه الذكريات، يقطع علاقته بكل من كان سبباً في معصية الله تبارك وتعالى.
وأما أعظم الشروط وهو العزم على ألا يعود إلى هذه المعصية أبداً.
لكن هنا في الحقيقة فصل بعض الفقهاء في هذه المسألة قال: يجوز أن يتوب الإنسان من بعض الذنوب دون البعض الآخر وتكون التوبة صحيحة ثم يعينه الله جلا وعلا عن أن يتوب من بقية الذنوب، يعنى هو تاب من بعض الذنوب ولم يتب من البعض الآخر فتوبته صحيحة ومقبولة، والنبي عليه الصلاة والسلام يبين لنا أن باب التوبة مفتوح.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إِن الله تَعَالى يقبل تَوْبَة العَبْد مَا لم يُغَرغر".
أي أنه قبل أن تبلغ الروح الحلقوم فعلى المسلم أن يتوب إلى الله جل وعلا قبل أن تبلغ الروح الحلقوم، لأن هناك وقت لا ينفع فيه الندم حينما تأتيك سكرات الموت وأنت على تلك الحال فماذا أنت قائل لربك غداً؟ والله جل وعلا يقول: (وقفوهم أنهم مسئولون)، ثم بعد ذلك تموت وأنت مُصر على هذه الذنوب.
والله تبارك وتعالى يقول: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُون} [آل عمران:135].
ويحذر: إياك والإصرار على معصية الله، إياك وأن تموت وأن مُصِرٌ على ارتكاب كبيرة أو مُصِرٌ على تكرار صغيرة، فإنه لا كبيرة مع استغفار ولا صغيرة مع الإصرار ويكفي أن تعلم أخي الحبيب أن من مات ولم يتب من ذنبه فأمره مفوض لربه إن شاء غفر له وإن شاء عذبه فهو في المشيئة.
ويختم: بادر بالتوبة إلى الله، الأمر سهل يسير، فهو يسير على من يسره الله عليه، وصعب على من لم يوفقه الله جل وعلا، إنما يتقبل الله جل وعلا التوبة من عباده، فالله تعالى يقبل التوبة من عباده إذا أقبل بقلبه على الله سبحانه وتعالى.