كلنا نسأل متى نصر الله؟ خاصة مع الظروف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، وحصار المسجد الأقصى، وانتهاك المقدسات الإسلامية، وقهر المسلمين في كل مكان، ويبج الله سبحانه وتعالى: " أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214 البقرة).
فالنصر له أركان وشروط، نص عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)سورة محمد.
ونحن في صراعنا مع العدو، وخاصة اليهود الذين يدنسون المسجد الأقصى، من المهم أن لا يحدث لدينا انكسارا داخليا بسبب ما نراه من قتل ودمار في صفوفنا، فنحن وإن كنا نألم فهم كذلك يألمون "وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً" .
فالله مولانا ولا مولى لهم، ونرجو من الله مالا يرجون؛ فنرجوا رضى الله والجنة وهم يرجون رضى شهواتهم وشياطينهم، ولكن حينما نمضي وراء شهواتنا مثل أعدائنا فسوف نستحق ما علينا من العذاب وغياب النصرة.
اظهار أخبار متعلقة
إعانة المحتاج ونصرة المظلوم
انظر للنبي صلى الله عليه وسلم حينما نزل عليه الوحي جبريل لأول مرة، وقد كان النبي لا يعرف أنه سيكون نبيا يبلغ رسالة ربه، ولم يعرف أنه سيكون صاحب المنزلة العظيمة التي يبلغها بشر من قبله ولا من بعده، فقد عددت له السيدة خديجة رضي الله عنها في حديث الوحي المشهور، صفاته: «إنك لتصل الرحمَ، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق».
فأهم ما جاء من صفات النبي صلى الله عليه وسلم على لسان خديجة، وطمأنته أنه لن يمسه سوء لالتزامه بهذه الصفة، أنه صلى الله عليه وسلم كان يُسارِع لنجدة المستضعف، وإجارة المستجير، وإغاثة الملهوف حتى وان كان من غير المسلمين.
ولعلّ موقف الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك الأعرابي، الذي بخسه أبو جهل حقه وماطله في أداءه، أكبر دليل على هذا الخلق الكريم.
فعن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثَّقفي، قال: قدم رجل من إرَاشَ بإبل له في مكَّة، فابتاعها منه أبو جهل، فمَطَلَه بأثمانها. فأقبل الإرَاشِيُّ حتى وقف على نادٍ من قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس، فقال: يا معشر قريش، مَنْ رجل يؤدِّيني على أبي الحكم بن هشام، فإنِّي رجل غريب، ابن سبيل، وقد غَلَبَني على حَقِّي؟ قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرَّجل الجالس - يريدون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزؤون به وفي نيتهم أن يسخروا من النبي؛ لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنَّه يؤدِّيك عليه.
فأقبل الإرَاشِيُّ حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه، يرحمك الله. قال: انطلق إليه. وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلمَّا رأوه قام معه، قالوا لرجل ممَّن معهم: اتبعه، فانظر ماذا يصنع.
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه، فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: محمَّد، فاخرج إليَّ. فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: أعط هذا الرَّجل حقَّه. قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل، فخرج إليه بحقِّه، فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإرَاشِي: الْحَقْ بشأنك. فأقبل الإرَاشِي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لي حَقِّي. قال: وجاء الرَّجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك! ماذا رأيت؟ قال: عجبًا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعط هذا حقَّه، فقال: نعم، لا تبرح حتى أُخْرِج إليه حقَّه، فدخل فخرج إليه بحقِّه، فأعطاه إياه.
قال: ثمَّ لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك! ما لك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط! قال: ويحكم، والله ما هو إلَّا أن ضرب عليَّ بابي، وسمعت صوته، فملئت رعبًا، ثم خرجت إليه، وإنَّ فوق رأسه لفحلاً من الإبل، ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا قَصَرَتِه، ولا أنيابه لِفَحلٍ قطُّ، والله لو أَبَيْت لأكلني.
فإقامة الحق، ورحمة الخلق؛ ونصرة المستضعفين وإجارة المستجيرين من القواعد الأخلاقية التي أسَّسها الإسلام ودعا إليها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 75].
تقوى الظلم
روى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "اتقوا الظلم، فإن الظلمَ يأتي ظلمات يوم القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين" (متفق عليه).
فمهما ضؤلت المظلمة، ومهما صغُر الظلم تضاعف العقاب، وزيد في العذاب، ولهذا رأينا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يستحث الأمة أن تتخلص من المظالم، وتتحلل منها في الدنيا قبل الآخرة فهو القائل: "من كانت له مظلمة لأحدٍ من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم، قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه". (رواه البخاري).
فمال بال أقوام ينتسبون إلى الإسلام، ويشيعون في الأرض الظلم والفساد، ويمنعون الحقوق أن تصل لأصحابها، ويسلبون حقوق إخوانهم بغير حق أما آن لهم أن تخشع قلوبهم لله فيكفون عن الظلم ويردون الحقوق لأهلها؟.
وقال صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" (متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى" (متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما).
وقال صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً، ثم شبك بين أصابعه" (متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه).
ومَن يقف متفرجا على المظلوم، ثم يمص شفاه، ثم لا يكترث؛ إنما يعرضون أنفسهم للمقت واللعن.
فما هان المسلمون أفراداً وأمماً وما استأسد أعداؤهم واستباحوا حرماتهم ونهبوا حقوقهم ودنسوا مقدساتهم؛ إلا حين سرت روح التخاذل بينهم، وتنكر بعضهم لبعض.
فحين صرخت مسلمة في أقصى الأرض: وا معتصماه جهَّز لها المعتصم جيشاً جراراً لدفع مظلمتها، وتأديب من اعتدى عليها.