أصبح كثير من الناس يسارع إلى الشر، سواء كان بالعمل، أو التحريض على الفسق والفجور، أو الاندفاع إلى المعصية، ولو بالكلمة، فربما تجد جارك وهو يتشاجر مع غيره من الجيران في الحي، تجد أحدهم وهو يحرض بعضهم بعضا بألا يترك أحد منهم حقه، وهناك من يخطط ويتآمر لكي يدفعك إلى التعرض لزميلك في العمل، أو ينصحك بأن تنتقم ممن ضرب طفله طفلك، حتى لا تكون مستضعفًا في الحي.
وفي كثير من الاحيان نكون ضحية اندفاع بعض المجاملين لنا في بعض المشاجرات، حينما تدب بينك وبين غيرك بعض المشكلات، فبدلاً من أن يأتي صديقك لكي يخلصك منها بالمعروف، تجده ومعه أسلحته البيضاء وبعض أصدقاء السوء، ليجاملك في الشر، فيضرب هذا ويصيب ذلك، على اعتبار أنه يصنع لك صيتًا وسمعة بألا يقترب أحد في الحي منك، ولكنه مقابل هذا قد يؤدي تصرفه إلى عواقب غير محمودة.
كن مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر
قال الله تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو مفتاح الخير مغلاق الشر، والسر في خيريَّة هذه الأمَّة، حيث ارتبطتْ بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وقد كَثُرت في المجالس المنكراتُ، وقلَّ النهيُ عنها؛ بل وترى أن بعض الناس إن ابْتُدِئ بحديثٍ فيه لغو، أنصت الجميع، وبدأ كل واحد من حضور المجلس يستعد للمشاركة في هذا اللغو، وتكثُر الغِيبة والنميمة على الألسنة في مجالس النساء ومجالس الرجال إلا من رحم الله.
وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم على خطر هذه الآفة: ((بئس مطيةُ الرجل: زعموا)).
فالتحريض على الفسق من مفاتيح الشر التي انتشرتْ في المجالس المسلمة، إلا من رحم ربي، فحري بالمسلم أن يكون مفتاحَ خيرٍ مغلاقَ شرٍّ، فإذا ذُكر أحدهم بسوء، وقد يُعرف عن هذا الشخص من المساوئ ما يعرف، أن يُكْتَم عنه، ويُستَر عليه، و أن تُصْرَف أحاديث الناس عنه، ويُدْعَى له بالهداية؛ بل ويُذْكَرُ شيءٌ من محاسنه أمام الناس؛ حتى لا يُنْظَر له بعين الازدراء.
ولنتذكَّر قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: ((يبصر أحدُكم القذاةَ في عين أخيه، وينسى الجِذع - أو الجذل - في عينه)).
ولقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الغِيبة؛ حتى يعلم الجميع ما يجري على لسانه مِن ذِكر الناس وهو غافلٌ، يأكل لحوم الناس؛ فعن أبي هريرة: أنه قيل: يا رسول الله، ما الغيبة؟ قال: ((ذِكْرُكَ أخاك بما يكره))، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبتَه، وإن لم يكن فيه ما تقول، فقد بهتَّه)).
فهذه هي الغيبة؛ ذِكرُ المرء، وإن كان فيه ما فيه من المساوئ، فيكف بمن يتداول الأخبار التي سمعها، وقام بنشرها في المجالس؟!.
وقد يتذرَّعُ الكثير ممن يقومون بدور مفاتيح الشر، أنهم يريدون النُّصح، كلاَّ؛ وإنما النُّصح ليس أمام الملأ، فهذا فَضْحٌ، وليس نُصْحًا، فلنتَّقِ الله في ألسنتنا.
فحصائد الألسنة قد تُلقِي بأصحابها في النار - أجارنا الله وإياكم - فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: ((ثكلتك أمُّك يا معاذ! وهل يكبُّ الناسَ على مناخرهم في جهنَّمَ إلا حصائدُ ألسنتهم؟!)).
ولقد أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب للإصلاح بين الناس، مع أن الكذب في أصله حرام؛ فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلُّ الكذب إلا في ثلاث: يحدِّث الرجل امرأته ليرضيَها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس)).
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتجهاد في سبيل الله
فكلمة الحق والتحريض على الخير ومنع الشر جهاد في سبيل الله، لذلك وجب على المسلم نصح إخوانه، ونترك الكلام في أعراض الناس والخوض فيها، والتي قد تتسبَّب في خراب البيوت، أو إهدار الدماء، أو قطع الرزق، ولنكن في المجالس مفاتحَ الخير، نصلح بين الناس، فهذه من الخيرية التي وصف الله بها أهلَ هذه الأمة، فالنهي عن المنكر فيما يجعل الناس عُرْضَةً للسبِّ والطعن، والأمر بالمعروف من خلال إصلاح ذات البَيْن.
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحجرات: 12].
فقد عمَّت البلوى بكثير من هذه المشاحنات في المجالس، لذلك وجب النُّصح بخير وموعظة حسنة، دون طعن أو مشاحنة وبغضاء، ولنتَّقِ الله فيما نقول، فإما أن نكون في هذه المجالس أصحابَ فضيلة وتقوى، أو ننصرف عنها.
ولنذَّكر أنفسنا ومَن نُجالِس بسُنَّة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بذِكر كفَّارة المجلس فنُحْيِيها؛ حتى يتذكر الناس ما في المجالس من لغوٍ فَيَدَعُوهُ؛ فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأَخَرَةٍ، إذا أراد أن يقوم من المجلس: ((سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك))، فقال رجل: يا رسول الله، إنك لَتقولُ قولاً ما كنتَ تقوله فيما مضى، قال: ((كفارةٌ لما يكونُ في المجلس)).
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾ [ق: 37].