شرح النبي صلى الله عليه وسلم كيف يجازي الله عز وجل عباده على أقل أعمال الخير مما يستهين بها الناس، وكيف يكن هذا الثواب العظيم للعمل الذي قد تحتقره، ولا تدري بأن هذا العمل ربما قد يكون هو سبب ثقل ميزانك يوم القيامة، فقد دخل رجل الجنة في كلب لمجرد أن شعر بعطشه فقام بسقايته، ودخلت امرأة النار في هرة حبستها لا هي اطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض.
وفي هذا الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ))؛ رواه البخاري ومسلم.
حديث عظيم، وقاعدة من قواعد الدين الحنيف؛ في مضاعفة الاجر والثواب لأقل أعمال الخير، ومعنى سُلَامَى: العظام التي بين كل مفصلين من أصابع الإنسان.
فكل سلامى من الناس عليه صدقةٌ، المعنى: أنه كلما جاء يوم صار على كل مفصل من مفاصل الإنسان صدقة يؤديها شكرًا لله تعالى على نعمة العافية وعلى البقاء، ولكن هذه الصدقة ليست صدقة المال فقط، بل هي أنواع.
وتعدل أي: صلحك، بيـن اثـنيـن متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين، ((صدقةٌ))؛ أي: منك عليهما؛ لوقايتهما وحفظهما مما يترتب على المنافرة والمنازعة بينهما من قبيح الأقوال والأفعال.
وتعين؛ الرجل؛ في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، وهذا أيضًا من الصدقات؛ أن تعين أخاك المسلم في دابته، إما أن تحمله عليها إن كان لا يستطيع أن يحمل نفسه، أو ترفع له على دابته متاعه وعفشه، فهذا إحسان، والله يحب المحسنين.
اظهار أخبار متعلقة
الكلمة الطيبة
ومجرد الكلمة الطيبة تأخذ عليها صدقةٌ حتى ولو بالسلام على الغير، وكل ذكر ودعاء للنفس والغير، وسلام عليه وردٌّ، وثناء عليه، ونحو ذلك مما فيه سرور السامع، واجتماع القلوب وتألفها، وكذا سائر ما فيه معاملة الناس بمكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)).
وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ وأنت ذاهب للمسجد أو حتى للمكان الذي تصلي فيه بالعمل أو المنزل، تأخذ صدقة، وفيه مزيد الحث والتأكيد على حضور الجماعات وعمارة المساجد؛ إذ لو صلى في بيته فاته ذلك.
وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ؛ أي: إزالة الأذى عن الطريق، والأذى ما يؤذي المارة من ماء أو حجَر أو زجاج أو شوك أو غير ذلك، سواء أكان يؤذيه من الأرض أم يؤذيه من فوق، كما لو كان هناك أغصان شجرة متدلية تؤذي الناس فأماطها، فإن هذه صدقة.
فالصدقة لا تنحصر في المال، بل إن الصدقات كثيرة، ومنها أنواع؛ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومساعدة الآخرين، وكف الأذى، والمحافظة على الصلوات الخمس في جماعة المسجد، و الترغيب في إزالة الأذى عن الطريق، وما في معناه.