إذا كنا مأمورين بالرفق واللين مع الناس جميعًا فإن هذا آكد مع من تدعوهم قال تعالى:" ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..".
وقد ذكر الله تعالى وصف نبيه صلى الله عليه وسلم باللين في قوله تعالى: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".
الشيخ الغزالي والرفق في الدعوة:
ويحكي محمد الشيخ الغزالي رحمه الله أنه وفي طريقه إلى المسجد لصلاة الظهر رأى طفلا يرتدي ملابس المدرسة بيده سيجارة مشتعلة .. يخرج دخانُها من أنفه كمعتادي التدخين، فاتجهت نحوه وربت على كتفه ( طبطبت عليه ) برفق وتحدثت إليه بحِكمة ولين فقلت له: "أنت في سنة إيه يا حبيبي ؟ ، فأجابني : في تانية إعدادي يا عمو .
بابا بيشتغل إيه يا حبيبي؟
مهندس.
بابا عارف إنك بتدخن سجاير ؟.
بابا مطلق ماما ومتجوز واحدة تانية وقاعد بعيد عننا .
وماما عارفة إنك بتدخن ؟ .
لا .
وبتجيب تمن السجاير الغالية دي منين ؟
بابا بيديني فلوس من ورا ماما وتيته (جدته لأبيه) بتديني هي كمان فلوس من وراهم هما الاتنين !!.
ومين إللي علمك شرب السجاير ؟
أصحابي في المدرسة اللي في سني وأكبر مني .
ودول طلبة متفوقين ومؤدبين ؟
لا طبعا .
أحسن السجاير ولا الأكل والشرب ؟
الأكل والشرب طبعا .
أحسن السجاير ولا مساعدة زمايلك الغلابة والفقرا واللي مش لاقيين تمن الملابس والمصاريف الدراسية والملخصات والدروس الخصوصية ؟
أكيد مساعدتهم طبعا أفضل يا عمو ..
أنت مسلم يا حبيبي ؟
أيوه .
بتصلي وتصوم ؟
ابتسم ولم يرد .
الطلبة الأوائل إللي تعرفهم بيصلوا ؟
أيوه .
بيحفظوا قرآن ؟
أيوه .
ليه متكنش زيهم متفوق وتسعد بابا وماما وتيته وكل أفراد أسرتك وتنفع نفسك والناس ؟ ..
وضع رأسه في الأرض ولم يرد .
إيه رأيك في المسجد والناس اللي بتصلي فيه؟
حاجة كويسة طبعا .
طب إيه رأيك تدخل معايه المسجد وتتوضأ ونصلي الظهر مع بعض ؟ ..
ابتسم ولم يرد.
طب توعدني تصلي؟
أوعدك يا عمو.
توعدني تذاكر كويس؟
أوعدك يا عمو.
توعدني تبطل سجاير؟
أوعدك يا عمو.
توعدني تساعد الغلابة وتتصدق على الفقرا والمحتاجين من غير ما يشعرون بتمن السجاير إللي هيتوفر معاك ؟
أوعدك يا عمو .
ودعوتُ الله تعالى له أن يشرح صدره إلى الصلاة ، وإلى الإقلاع نهائيا عن التدخين اللعين .
ودلفت المسجد لأدرك صلاة الجماعة حتى لو في تشهّدها الأخير .. وليُكتب لي أجر الصلاة كاملا كأنني أدركت تكبيرة الإحرام مع الإمام .
يعلمُنا فضيلة الإمام الشيخ محمد الغزالي السقا - رحمه الله ورضي عنه - فقه الدعوة إلى الله فيقول: " قلت يوما لرجل تعود السكر - أي شرب الخمر - : ألا تتوب إلى الله ؟
فنظر إليَّ بانكسار ودمعت عيناه ، وقال : ادعُ الله لي ..!!
تأملت في حال الرجل ورقَّ له قلبي ..
إن بكاءه شعور بمدى تفريطه في جنب الله ، وحزنه على مخالفته ، ورغبته في الاصطلاح معه، إنه مؤمن يقينا ، ولكنه مُبتلى ! وهو ينشد العافية ويستعين بي على تقريبها..
قلت لنفسي : قد يكون حالي مثل هذا الرجل أو أسوأ.
صحيح أنني لم أذق الخمر قط ، فإن البيئة التي عشت فيها لا تعرفها ، لكني ربما تعاطيت من خمر الغفلة ما جعلني أذهل عن ربي كثيرا ، وأنسى حقوقه.
إنه يبكي لتقصيره ، وأنا وأمثالي لا نبكي على تقصيرنا ، قد نكون بأنفسنا مخدوعين ..!!
وأقبلت على الرجل الذي يطلب مني الدعاء ليترك الخمر، قلت له: تعالَ ندعو لأنفسنا معا.. (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين).
إنني أطلب من المشتغلين بالدعوة أن يتقوا الله في الناس ، وأن يتفقهوا في الدين ؛ فإن مَن يُرِد الله به شرا يحرمه الفقه في الدين ، ولو كان ثرثارا يخطب في كل ناد "