دأب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواء خلال حياته أو بعد وفاته وكذلك التابعون وتابعو التابعين مع اجتهادهم في الأعمال الصالحة علي بذل أقصي جهدهم حتي لا تحبط أعمالهم، وأَلَّا تُقبَل منهم لرسوخ علمهم وعميق إيمانهم، ونقل عن الكثيرين منهم قوله "أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - كلهم يخشى النفاق على نفسه ما منهم من أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل
وفي هذا السياق حث سيدنا علي - رضي الله عنه علي ضرورة القيام بكل الطاعات والقربات لكي تقبل منهم عملهم حيث قال -: "كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا لقول الله تعالى: " إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " "المائدة: 27"". قال ابن عطية: "المراد بالتقوى: اتقاء الشرك بإجماع أهل السنة، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة". وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول، والختم بالرحمة عُلم ذلك بأخبار الله تعالى"
وبحسب عدد من الفقهاء وأهل العلم فهناك علامات قبول الأعمال والطاعات والعبادات في مقدمتها أن يحبب الله الطاعة إلى قلبك فتأنس بها، وتطمئن إليها، قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" "الرعد:28"، وكذلك كره المعصية علامة من علامات القبول عند الله أيضًا، قال تعالى: "وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ" "الحجرات:7"..
وأجمع أهل العلماء علي وجود ضوابط لعمل الطاعات والعبادات في مقدمتها عدم الرجوع إلى الذنب بعد الطاعة باعتبار إن الرجوع إلى الذنب علامة مقت وخسران , قال يحي بن معاذ :" من استغفر بلسانه وقلبه على المعصية معقود , وعزمه أن يرجع إلى المعصية بعد الشهر ويعود , فصومه عليه مردود , وباب القبول في وجهه مسدود.
وهنا ليس من الغريب التأكيد إن كثيرا من الناس يتوب وهو دائم القول: إنني أعلم بأني سأعود.. لا تقل مثله.. ولكن قل : إن شاء الله لن أعود " تحقيقا لا تعليقا".. واستعن بالله واعزم على عدم العودة..
ومن ضمن شروط قبول الأعمال والعبادات الوجل من عدم قبوله فالله غني عن طاعاتنا وعباداتنا، كما جاء في قوله تعالي " وَمَن يَشْكُرْ فَإنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ" "لقمان: 12" وقال تعالى: " إن تَكْفُرُوا فَإنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ "الزمر: 7"
،ومن هنا فالمؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ" "المؤمنون الأية 60: أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟!
وهنا رد الرسول صلي الله عليه وسلم بالقول : "لا يا ابنة الصديق! ولكنهم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون، وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات"فعلى الرغم من حرصه على أداء هذه العبادات الجليلات فإنه لا يركن إلى جهده، ولا يدل بها على ربه، بل يزدري أعماله، ويظهر الافتقار التام لعفو الله ورحمته، ويمتلئ قلبه مهابة ووجلاً، يخشى أن ترد أعماله عليه، والعياذ بالله، ويرفع أكف الضراعة ملتجئ إلى الله يسأله أن يتقبل منه.
ومن علامات قبول العمل والعبادات التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها لاسيما إن علامة قبول الطاعة أن يوفق العبد لطاعة بعدها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها، فإن الحسنة تقول: أختي أختي. وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله؛ أنه يكرم عبده إذا فعل حسنة، وأخلص فيها لله أنه يفتح له باباً إلى حسنة أخرى؛ ليزيده منه قرباً.وهنا يشبه التراث الإسلامي العمل الصالح بالشجرة طيبة، والتي تحتاج إلى سقاية ورعاية، حتى تنمو وتثبت، وتؤتي ثمارها،وإن أهم قضية نحتاجها أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها، فنحافظ عليها، ونزيد عليها شيئاً فشيئاً. وهذه هي الاستقامة التي تقدم الحديث عنها.
ومن شروط قبول العمل والعبادات التقليل من قيمة عمله وعدم العجب والغرور به انطلاقا من العبد المؤمن مهما عمل وقدَّم من إعمالٍ صالحة ,فإن عمله كله لا يؤدي شكر نعمة من النعم التي في جسده من سمع أو بصر أو نطق أو غيرها، ولا يقوم بشيء من حق الله تبارك وتعالى، فإن حقه فوق الوصف، ولذلك كان من صفات المخلصين أنهم يستصغرون أعمالهم، ولا يرونها شيئاً، حتى لا يعجبوا بها،
بل ولا يصيبهم الغرور فيحبط أجرهم، ويكسلوا عن الأعمال الصالحة. ومما يعين على استصغار العمل:معرفة الله تعالى، ورؤية نعمه، وتذكر الذنوب والتقصير.
ولنتأمل كيف أن الله تعالى يوصي نبيه بذلك بعد أن أمره بأمور عظام فقال تعالى:" يا أيها المدثر. قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر. ولاتمنن تستكثر". فمن معاني الآية ما قاله الحسن البصري: لاتمنن بعملك على ربك تستكثره.
ولا يغيب عن علامات قبول الأعمال حب الطاعة وكره المعاصي فمن علامات القبول ، أن يحبب الله في قلبك الطاعة ,فتحبها وتأنس بها وتطمئن إليها قال تعالى""الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ "الرعد الآية 28 وكذلك الإكثار من الدعاء : "اللهم حبب إليَّ الإيمان وزينه في قلبي وكرَّه إليَّ الكفر والفسوق والعصيان واجعلني من الراشدين.
اقرأ أيضا:
أذكار صلاة التسابيح وعدد ركعاتها وكيف نصليهاكثرة الدعاءالتضرع إلي الله أناء الليل وأطراف النهار من أهم شروط قبول العمل فالخوف من الله لا يكفي، إذ لابد من نظيره وهو الرجاء، لأن الخوف بلا رجاء يسبب القنوط واليأس، والرجاء بلا خوف يسبب الأمن من مكر الله، وكلها أمور مذمومة تقدح في عقيدة الإنسان وعبادته.
وبل أن رجاء قبول العمل- مع الخوف من رده يورث الإنسان تواضعاً وخشوعاً لله تعالى، فيزيد إيمانه . وعندما يتحقق الرجاء فإن الإنسان يرفع يديه سائلاً الله قبول عمله؛ فإنه وحده القادر على ذلك، وهذا ما فعله أبونا إبراهيم خليل الرحمن وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، كما حكى الله عنهم في بنائهم الكعبة فقال:" وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" " البقرة:127
ولا يغيب عن علامات قبول العمل حب الصالحين وبغض أهل المعاصي من علامات قبول الأعمال والعبادات والطاعات حيث يجب أن يُحبب الله إلى قلبك الصالحين أهل الطاعة ويبغض إلى قلبك الفاسدين أهل المعاصي ،و لقد روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله"
ومن علامات قبول العبادة والطاعة ظهور آثارها في السلوك والعمل، وحسن معاملة الخلق في كل شيء، فمن وجَد ثمرةَ عمله في خُلُقِه فقد حقَّق غايةً من أهم غايات الطاعة والعبادة.