نتعرض في حياتنا اليومية لبعض المواقف التي تكشف لنا حقيقة معدننا وأصلنا، وبعض العبر والعظات التي تبين لنا مقعدنا في الجنة أو النار، من خلال الوقوف مع النفس والانتصار لمنطق الرحمة، وتغليبه على منطق الندالة والجبن والبخل.
مواقف تكشف عن معدنك
فقد يضيق علينا الطريق، ومع ذلك تنتفض الرحمة في قلوبنا، حال وجدنا بعض المشاهد التي تستفز طاقاتنا لإظهار معدن المسلم الحقيقي، مثل إغاثة الملهوف، أو إنقاذ مصاب في حادث طريق، أو إغاثة امرأة تعرضت للاعتداء عليها من أشباه الرجال الذين لا يرقبون في مؤمن ولا مؤمنة إلا ولا ذمة، أو إيثار الغير علينا بإخراج بعض الصدقات للمحتاجين الذين يلتمسون علاجهم أو طعام أبنائهم الصغار.
فقد تواجه في يومك كل يوم بعض الحوادث التي تنفجر لها القلوب، في الشارع وفي وسائل المواصلات، إلا أن بعض الناس لا تتحرك قلوبهم لمثل هذه الحوادث التي تكشف عن نذالتهم وجبن أخلاقهم.
فقد يصدم أحدهم شخصا فقيرًا بسيارته، أو عاملاً باليومية، كان مضطرًا لعبور الطريق وهو ذاهب للعمل، ومع ذلك لا يرق له قلبه ويتوقف لكي يسعفه، بل تجده ضعيفا ندلا وجبانا أمام شهواته وتهوره، فيهرب من مسئوليته في إنقاذ المصاب الذي صدمه، ولو على حساب حياة هذا المسكين، خوفًا من أن يتعرض للعقاب او المسئولية، ظنا منه بأنه إذا نجا من حساب الدنيا فسوف ينجو من حساب الآخرة.
فالخطأ وراد من البشر، وقد يعفو الله عنه، خاصة إذا كان خارجا عن إرادة الإنسان، ولكنه يتحول لجريمة إذا فر الإنسان المسلم فيه من مسئوليته وإنسانيته بإنقاذ المصاب، أو المريض.
وفي مواقف مشابهة، قد يرى عشرات الرجال من فحول الذكور الذين يبرزون عضلاتهم، وهم يشاهدون رجلا بلطجيا ربما يعتدي على امرأة ضعيفة بالضرب أو الاغتصاب، أو بالاعتداء على مسكين في الشارع، ولا يتحرك لهم ساكنا غضبا أو نجدة لهذا الضعيف أو هذه المرأة، مكتفين بقول: " وأنا مالي"، في الوقت الذي يتحول فيه نجدة هذا الملهوف من فرض كفاية إلى فرض عين، حال صمت كل هؤلاء عن نصرة هذا المسكين ولو بنصح الظالم والمعتدي وصده عن الاستمرار في ظلمه.
وقد يشعر قلبك، وترى عينكم ما بهذا الفقير من ألم، واحتياج لأقل الاموال التي يبحث عنها من اجل معالجة مرضه، أو إطعام عياله، وبالرغم من اكتظاظ جيبك بالمال، إلا أنك تبخل في إخراج ولو مبلغ قليل تساعد به هذا المسكين.
فكل هذه المواقف تشهد على بخل صاحبها ونذالته، وجبنه، كما تكشف عن مقعده في النار، وربما إحباط عمله من الطاعة والعبادة، نتيجة هذه المواقف التي تنم عن خسته، فالمؤمن والمسلم هو إنسان شريف وشهم تعلم من النبي صلى الله عليه وسلم كيف ينصر ويساعد المسكين، ويسعف المصاب، ويؤثر على نفسه من أجل هذا الضعيف والمحتاج.
اقرأ أيضا:
كيف يحصل كل إنسان على رزقه تامًا من غير نقصان؟ وما هي مفاتيح الرزق؟اقتد بالنبي وشهامته
قال عز وجلَّ: ﴿... وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [الحج جزء الآية 77]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ﴾ [البقرة جزء الآية 237].
وفي دائرة التعامل اليومي للمجتمع بين الأفراد تبدو إمارات الألفة بين الناس في قضاء المصالح وإجابة أهل الحاجات وفعل المروءات، ولا شك أن أعظمها وأبقاها ما كان متداولاً بين القلوب بطعم الإيمان، قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (المؤمن يألفُ ويؤلف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس).
وقال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للهِ عبادًا خلقَهم لحوائجِ الناسِ يفزعُ الناسُ إليهم في حوائجِهم أولئك الآمِنونَ يومَ القيامةِ).
وعلى العكس من ذلك، فمن وُكلت إليه أمانةٌ فأصابه الضَّجَرُ وتأفَّفَ من وجوه الخلق إليه بطلب الحوائج وأنكرَ فضل الله عليه بتركِ صُنْعِ المعْروفِ لمن طلَبَهُ فإن ذلك إيذانٌ بزوالِ النِّعَمِ.
قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (ما من عبدٍ أنعمَ اللهُ عليه نعمَةً فأسْبَغَها عليه ثم جعل من حوائِجِ الناسِ إليه فتَبَرَّمَ فقَدْ عرَّضَ تلْكَ النعمةَ للزوالِ).
والقدوة الأولى في ميدان المروءة وصنائع المعروف وإغاثة الملهوف هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، شهدت بذلك أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها بعد أن أخبرها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بما حدث له في الغار وقال لها: (... لقد خشيتُ على نفسي. فقالت خديجةُ: كلا واللهِ ما يخزيك اللهُ أبدًا، إنك لتصلُ الرحِمَ، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدومَ، وتُقري الضيفَ، وتعينُ على نوائب الحقِّ).
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: (كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناسِ وأجودَ الناسِ وأشجعَ الناسِ، ولقد فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذات ليلةٍ فانطلق الناسُ قبلَ الصوتِ فاستقبلهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد سبق الناسَ إلى الصوتِ وهو يقولُ: لم تُراعوا لم تُراعوا "لا تخافوا" وهو على فرسٍ لأبي طلحةَ عُرِيٍّ ما عليه سَرْجٌ، في عُنُقِه سيفٌ فقال: لقد وجدتُه بحرًا أو إنه لبحرٌ "يقصد الفرسَ في سرعته") .
فكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لم يتأخر عن نجدة الناس في وقت الفزع والخوف بل كان أسرعهم على فرس عريٍّ إلى موقع الحدث وعاد ليؤمِّنَهُم من فزعهم وخوفهم، وكذلك كان على الدوام؛ أقرب الناس إلى مظنات الأخطار ليحميَهم ويسدَّ عنهم الثغرات، قال عليٌّ بن أبي طالبٍ رضي الله تعالى عنه وأرضاه: (كنا إذا حَمِيَ البأسُ ولَقِيَ القومُ القومَ اتَّقَيْنَا برسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فما يكونُ أحدٌ أقربَ إلى العدوِّ منهُ) .
وقد أغاث النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عمرو بن سالم الخزاعي لما جاءه ملهوفاً يستغيث به أن قريشاً خانوا العهد ونقضوا الميثاق، وكان مما قال عمرو بن سالم:
(إِنَّ قُرَيْشًا أَخلَفُوكَ الْمَوعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثاقَكَ المُؤَكَّدَا
وَزَعَمُوا أَن لَّسْتُ أَدْعُو أَحَدَا
فَهُم أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
قَد جَعَلوا لِي بِكَدَاءَ مَرْصَدَا
هُم بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا
فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: نُصِرتَ يا عَمرو بنَ سالمٍ) .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس مِن نفسِ ابنِ آدَمَ إلَّا عليها صدقةٌ في كلِّ يومٍ طلَعَت فيه الشَّمسُ، قيل: يا رسولَ اللهِ ومِن أينَ لنا صدقةٌ نتصدَّقُ بها؟ فقال: إنَّ أبوابَ الخيرِ لكثيرةٌ: التَّسبيحُ والتَّحميدُ والتَّكبيرُ والتَّهليلُ والأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عنِ المنكَرِ وتُميطُ الأذى عن الطَّريقِ وتُسمِعُ الأصَمَّ وتَهدي الأعمى وتدُلُّ المستدِلَّ على حاجتِه وتسعى بشدَّةِ ساقَيْكَ مع اللَّهفانِ المستغيثِ وتحمِلُ بشدَّةِ ذراعَيْكَ مع الضَّعيفِ فهذا كلُّه صدقةٌ منك على نفسِك) .