للأسف كثير من الناس يحكم على غيره بما لم ظهر منهم، فترى أحدهم يقول لك عن رجل يراه لأول مرة إنه سيء أو يحقد، وهكذا، وإذا سألته كيف عرفت ذلك، يقول لك (إحساسي من مظهره)، بينما قد تكون الحقيقة أبعد ما يكون عن ذلك.
إذ يقول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «عاملوا الناس بما يُظهرون لكم، والله يتولى مافي صدورهم»، ذلك أنه لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل، ولا يعلم ما في نفوس الناس إلا الله سبحانه وتعالى، فكيف بنا نحكم على إنسان ما بأمر لا نملكه ولا نعلمه؟.. فالمعاملات لا تبنى على الاحتمالات ولا على التكهنات لما في الصدور سواء بالخير أو بالشر، وإنما يكفي بما ظهر منها، أما ما ستره الله فدعه لله.
يكفيك الظاهر
إياك أن تقلل من الظاهر من الناس، فتحاول أن تعوضه بظنونك ، واعلم يقينًا أن الله عز وجل حرم تمامًا سوء الظن بالمسلمين، لقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» (الحجرات:12).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث»، لكن سوء الظن بات للأسف هو أساس الحديث الآن، فما من أحد إلا ويظن بالناس، إلا من رحم ربي، بل أن كثير منا يسأل فيما لا يعنيه على الإطلاق، رغم معرفته بأن السؤال قد يضره، قال تعالى: «(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعسوء الظن
من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه، كما أن سوء الظن يؤدي إلى الخصومات والعداوات ، وتقطع الصلات ، قال تعالى: « وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا » (النجم: 28)، وفي ذلك يقول الإمام الغزالي رحمه الله: «اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك وتسيء الظن بأخيك».
فالظن السيئ يدفع صاحبه لتتبع العورات والبحث عن الزلات وهو بذلك يعرض نفسه لغضب الله وعقابه، وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم هؤلاء المرضى بالفضيحة بقوله: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته».