جميعنا ربما فعل أمرًا ما مضطرًا، والاضطرار بمعنى فعل الإنسان الشيء من غير نية أو قصد، لكن تختلف ظروف الموقف من شخص لأخر، فمثلا يساق أحدهم للتوحيد فقط من دون أن يُساق إلى نتائجه، بأن يولد موحد ومن أب وأم مسلمين.
وهنا يقال إن (عصا الاضطرار) تعني المحبة، يعني أنه من شدة محبة الله عز وجل لك يسوقك إليه سوقًا، يضطرك إليه من غير أن تنوي أنت، فهي دليل المحبة الإلهية الخاصة لمن اختارهم له، وهذا لا يمكن أن يُستعاض عنه بشيء.
وهناك محبة عامة، وهي محبة الظهور، أي أن الله يحب مظاهر صفاته، ونحن بلاشك منها، فلا يكفر من ظن أن الحرام يصير حلالاً في حالة الاضطرار لأن العلماء نصوا على أن المحرمات تباح عند الضرورة، ومثلوا لذلك بإباحة أكل الميتة للمضطر بل أوجب بعضهم الأكل عند خشية الهلاك.
ودليل الاباحة هو القاعدة المتفق عليها ـ الضرورات تبيح المحظورات ـ وهي مأخوذة من قول الله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» (الأنعام: 119).
وقت الضرورة
الاضطرار يحدث لأي إنسان، حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أصحابه إلى صلاة العصر في بني قريظة، وقد كان هناك أمر إلهي بمحاربتهم، إذ تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: «لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من الخندق ووضع السلاح واغتسل، أتاه جبريل عليه السلام فقال: قد وضعت السلاح، والله ما وضعناه، فاخرج إليهم، قال: فإلى أين؟ قال: هاهنا وأشار إلى بني قريظة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم».
قال تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ » (البقرة: 173)، ويقول أهل العلم: «الضرورات لا تبيح كل المحظورات، بل يجب أن تكون المحظورات دون الضرورات، أما إذا كانت الممنوعات أو المحظورات أكبر من الضرورات، فلا يجوز إجراؤها، ولا تصبح مباحة، وإن إباحة المحظور للضرورة تسمى في أصول الفقه بـ الرخصة».
اقرأ أيضا:
إياك والنظر إلى ما بيد الناس.. إذا أردت أن تكون حرًا فاترك الطمعرخصة للضرورة
إذن الفعل يبقى حرامًا، لكن رخص الشرع الإقدام عليه لحالة الضرورة، كإتلاف مال المسلم، أو القذف في عرضه، أو إجراء كلمة الكفر على لسانه مع طمأنينة القلب، قال تعالى يؤكد ذلك: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ » (المائدة: 3).
لكن هناك أمورًا لا تجوز بحال، ولا يرخص فيها أصلاً، لا بالإكراه التام ولا بغيره، كقتل المسلم، أو قطع عضو منه، أو الزنا، أو ضرب الوالدين أو أحدهما، لكن المضطر هو أنه كما بين العلماء، لو أن شخصًا كان في حالة الهلاك من الجوع، يحق له اغتصاب ما يدفع جوعه من مال الغير، لا اغتصاب كل شيء وجد مع ذلك الغير؛ لأن ما أبيح للضرورة يقدَّر بقدرها.