وليس معنى التواضع أن تظلمك نفسك وتحتقرها أمام الناس بل تنكسر حتى لا تتكبر وتخضع حتى لا تتجبر وتسمع حتى لا تتعالى وتترفع وتخضع وتخشع وتستجيب لرأي الغير وتمدح صنيع الخير ولا تنسب الخير لك وإن كنت فاعله وتتجنب أن تنزلق في الردى فتضر أو تضر تفعل ذلك من أجل نيل رضا الله تعالى وأنت مدرك بقلبك وجوارحك انك مها وصلت لعلم فأنت جاهل ومهما بلغت منصب فأنت مفارقه وانك بشر تجري عليك الأحداث والنوازل متدبرا في سير الصالحين متمسكا بقيم الجمال والجلال.

والتواضع لا يعني أيضا أن تبخس نفسك حقها من الاحترام والتحفيز بل تعنفها إن زلت وتشجعها إن أحسنت لكنك في الحالين لا تراها إلا مقصرة وقد أخذت كثر من حقها.. فلا تدعها تتضخم فتضرك وكل هذا منهم رضي الله عنهم من باب التواضع وهضم النفس، وقد تعلموا هذا من سيد المتواضعين عليه صلوات رب العالمين.. ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يُنَجِّيَ أحَدًا مِنكُم عَمَلُهُ، قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برَحْمَةٍ، سَدِّدُوا وقارِبُوا، واغْدُوا ورُوحُوا، وشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ، والقَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا).

وهضم النفس والتواضع: خلق كريم، وخلة جذابة تستهوي القلوب، وتثير الإعجاب والتقدير، هو خلق بين خلقين، وقصد بين تفريطين، ووسط بين طرفين، والممدوح منه ما كان متسما بالقصد والاعتدال؛ لأن الإفراط فيه داع للخسة والمهانة والتفريط فيه باعث على الكبر والعجب، وقيل في معناه: هو احترام الناس حسب أقدارهم وعدم الترفع عليهم.

وقد لزم الصالحين التواضع فكان دينهم وديدنهم سئل الحسن البصري: أي شيء التواضع؟ قال: يخرج المرء من بيته فلا يلقى مسلما إلا ظن أنه خير منه،  وهذا ما كان يفعله مطرف بن الشخير حيث يقول: "والله ما رأيت أحدا من المسلمين إلا ظننت أنه خير مني: إن كان أكبر مني قلت أطاع الله قبلي وعبده أكثر مني، وإن كان أصغر مني قلت عصيت الله أكثر منه".

وهذا سيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم كان يعلمه أصحابه الطيبين وكانوا أفضل خلق الله وأكثرهم تواضعا لربهم عز وجل: روى الإمام البخاري أن أبا بكر رضي الله عنه قال: (يا رسولَ اللَّهِ علِّمني دعاءً أَدعو بِهِ في صلاتي. قالَ: قُل: اللَّهمَّ إنِّي ظلَمتُ نَفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ فاغفِر لي مغفرةً من عندِكَ وارحَمني إنَّكَ أنتَ الغفورُ الرَّحيمُ).

من عاش متواضعا صار محبوبا من الله والناس اجمعين فكم من أغنياء ملكوا الأموال والقصور وفاتهم حب الناس وتمنوا لو كانوا فقراء، وكم من فقراء صفر اليدين ملكوا نواصي الأمور واجتمع حولهم الكبير والصغير حبا وتقديرا.

فالتواضع له لذة لا يعرفها إلا من ذاقها وهو بمثابة جنة للمؤمن تعينه على مشقة الحياة وتعبها فنم مات مكبرا لم يدخل جنة الدنيا ولا جنة الاخرة  عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس. ومعنى بطر الحق: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً. ومعنى غمط الناس: احتقارهم. وفي هذا الحديث بيان أن محبة الإنسان أن يكون ثوبه حسناً ومركبه حسناً ونحو ذلك ليس من الكبر ولا من العجب المنهي عنه.