قد يتصور البعض أن القبر هو نهاية المطاف، وأن عمله توقف فعليًا، وبات حسابه على ما مضى وفقط، بينما الحقيقة أن هناك أعمالا، تظل يصلك منها الخير الوفير والمكسب الكبير حتى وأنت في قبرك.
في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «سبع يجري للعبدِ أجرُهنَّ وهو في قبرِه بعد موتِه: من علَّم علمًا؛ أو كرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفرُ له بعد موتِه»، إذن لو فعلت أو سعيت إلى المساهمة في مثل هذه الأمور، نلت ما لا يمكن توقعه على الإطلاق، وجاءك في قبرك حسنات يظل (العداد الخاص بك) يعدها لك حتى وأنت في قبرك، إذ تأتيك حسنات بالكوم.
النفع الأكبر
إذن عزيزي المسلم، لو كنت تعي جيدًا حقيقة الحياة، والمآل الأهم في النهاية، وهو الموت، لعملت إلى ما يفيدك في قبرك، إذ أن كل الأعمال ينقطع ثوابها بعد موت الإنسان إلا ثلاثة أعمال، وهي صدقة جارية، أو علم ينفع به غيره من الناس، أو ابن صالح يدعو له بعد موته، فكل هذه الأعمال تنفع الميت بعد موته وتظل مستمرة، وكذلك من مات مرابطًا في سبيل الله، يستمر أجر الرباط إلى يوم القيامة.
وإياك أن تنسى، الصدقة، فهي كالضوء الذي ينير لك القبر، فقد ثبت عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، أيضًا أن رجلًا سأله قال: إن أمي ماتت فهل لها أجر إن تصدقت عنها؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «نعم»، ومن ثمّ فإن الصدقة عن الميت تنفعه بإجماع المسلمين، وهكذا الدعاء له بإجماع المسلمين ينفعه، ولعل سيدنا عثمان بن عفان مضرب المثل في ذلك، إذ أن له بئرًا يعمل في سبيل الله حتى يومنا هذا.
اقرأ أيضا:
"الدنيا ريشة في هوى".. كيف تجعلك هذه الكلمات تطير من على الأرض؟قضاء الديون
أيضًا هناك من يتوفاه الله، وهو عليه ديون، ومن هذه الديون في الصلاة والزكاة والحج إذا كان يستطيع ولم يحج، وبالتالي وجب على أهله، وخصوصًا أبنائه، أن يسدوا عنه هذه الديون، فيصلوا لأجله، ويتزكوا عنه، ويتصدقوا عنه، وكلها أمور تصل الميت بإذن الله، كما بين المصطفى صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع.
في مسند أحمد بإسناد جيد عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها صوم رمضان أفصوم عنها؟ قال: «صومي عن أمك، أرأيت لو كان عليها دين أكنت قاضيته؟ اقضوا الله، فالله أحق بالوفاء».
أما إذا كان الميت، توفاه الله بعد مرض طويل مزمن، فهذا لا صوم عليه عند عامة أهل العلم، وعند جمهور أهل العلم، إذ لا يقضى عن صوم، ولا يطعم عنه، لأنه غير مفرط معذور، لأن الله قال: «وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» (البقرة:185).