مهما زاد البحث في معاني وتفسير القرآن الكريم، فإننا لن نصل إلا إلى نقطة وحيدة في بحر هذا الإعجاز الرباني الذي أنزله الملك سبحانه وتعالى على قلب خير البشر صلى الله عليه وسلم، ومن الأسئلة التي يطرحها البعض لمعرفة تفسير أو معاني بعض آيات القرآن الكريم.. ما معنى (ولات حين مناص) في قوله تعالى: «كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ» (ص: 3)؟.

والمعنى أنه ليس الحين حين فرار ولا منجاة ولا هرب من العذاب، وقد حَقَّت كلمة العذاب عليهم، وتابوا حين لا تنفعهم التوبة، واستقالوا في غير وقت الإقالة، وقوله (مَنَاصٍ) مفعل من النوص، والنوص في كلام العرب يعني التأخر، والمعنى أيضًا أن (كثيرا من الأمم أهلكناها قبل هؤلاء المشركين , فاستغاثوا حين جاءهم العذاب ونادوا بالتوبة, وليس الوقت وقت قبول توبة, ولا وقت فرار وخلاص مما أصابهم.. فنادوا: أي فاستغاثوا.. ولات: وليس.. حين: وقت.. مناص: فرار وخلاص).

معنى "شططا"؟

ويسأل أحدهم أيضًا ما معنى (شططا) في قوله تعالى: « وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا» (الجن: 4)؟، والمعنى أي يقولون (كذبًا وجورًا وظلمًا وافتراءً، ومجاوزة للحد على الله عز وجل)، والشطط: هو القول الذي ينافي الحقيقة، وافتراء الكذب على الله عز وجل، يقول ربنا عن أصحاب الكهف في قوله تعالى: «لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا» (الكهف:14) أي: أن هذا القول يبعد عن الحقيقة ويحمل الكذب… ولنعلم أنه لما كان الشطط هو مجاوزة الحد ، وليس في اللفظ ما يدل على أن المراد مجاوزة الحد في جانب النفي أو في جانب الإثبات ، فحينئذ ظهر أن كلا الأمرين مذموم, فمجاوزة الحد في النفي تفضي إلى التعطيل , ومجاوزة الحد في الإثبات تفضي إلى التشبيه وإثبات الشريك والصاحبة والولد . وكلا الأمرين شطط ومذموم .

اظهار أخبار متعلقة

القسم بالعاديات

أيضًا من المعاني التي قد يصعب فهمها على كثير من الناس قوله تعالى: «{‏وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا‏» ‏(‏سورة العاديات‏:‏ الآيتين‏:‏ 1، 2‏)، وفيها يقسم الله سبحانه وتعالى بالعاديات، وهي الخيل التي تعدو بركابها عند الحاجة كما في حالة القتال في سبيل الله والغارات، ومعنى «‏ضَبْحًا‏» أي‏:‏ ارتفعت أصواتها عندما تعدو ‏«فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا»‏ أي‏:‏ أنها تقدح بحوافرها الحجارة عندما تغير، ‏«فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا»‏ هي الخيل أيضًا.

وكل هذا أوصاف للخيل وحالاتها عند الغارة في سبيل الله عز وجل، في هذا دليل على فضل الجهاد في سبيل الله وركوب الخيل للجهاد في سبيل الله، والله تعالى يقول‏:‏ «‏وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏» ([‏سورة الأنفال‏:‏ آية 60‏])، وكل هذه أوصاف للخيل ‏«وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا‏» كل هذه أوصاف للخيل حالة غارتها للجهاد في سبيل الله عز وجل‏.