تعاني بعض النساء من تسمم الحمل، الذي قد يؤدي إلى خسارة الجنين، لكن الخسارة لا تتوقف على هذا الحد، إذ حذر باحثون من مينيسوتا بالولايات المتحدة في ثلاث دراسات حديثة من أن هذه الحالة قد تزيد من خطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة، بعد اكتشاف العديد من الأعراض المميزة لمرض الزهايمر من خلال فحص مجموعات واسعة من النساء.

وأظهرت دراسة منفصلة أجرتها جامعة يوتا الأمريكية، أن النساء اللواتي يعانين من ارتفاع ضغط الدم – وههو مقدمة للتسمم - أثناء الحمل يعانين من مخاطر مرتفعة تصل إلى 64 في المائة للإصابة بالخرف الوعائي.

وفي الوقت نفسه، أشارت دراسة هولندية إلى أن الحوامل اللائي يعانين من ارتفاع ضغط الدم يعانين من تآكل أنسجة المخ بنسبة 38 في المائة أكثر من اللواتي لا يعانين من تسمم الحمل، أو ارتفاع ضغط الدم.

تسمم الحمل

ويتسبب تسمم الحمل في إصابة الحوامل بارتفاع ضغط الدم، والذي أظهرت الأبحاث السابقة أنه يمكن أن يؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب في وقت لاحق من الحياة.

ولا تعد مقدمات تسمم الحمل هي الحالة الوحيدة التي تسبب ارتفاع ضغط الدم لدى الحوامل، لكن ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل يؤدي أيضًا إلى حدوثه لدى بعض النساء.

وتعد النساء أكثر عرضة للإصابة بالخرف من الرجال، حتى عندما يتم أخذ عيشن لفترة أطول في الاعتبار.

وطرح الباحثون، أسبابًا مختلفة عند شرح ارتفاع خطر إصابة النساء بالخرف، لكن هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به للعثور على إجابات قاطعة، بما في ذلك البحث في العوامل التي يمكن أن تؤثر بشكل خاص على الصحة الإدراكية للمرأة، وفقًا لصحيفة "ديلي ميل".

وارتفاع ضغط الدم هو عامل خطر على تدهور صحة القلب، وله تأثير سلبي على صحة الدماغ. وتسلط الدراسات الجديدة الضوء على تأثير ارتفاع ضغط الدم والاضطرابات المرتبطة به أثناء الحمل على خطر إصابة النساء بالخرف في وقت لاحق من الحياة.

وأظهرت دراسات سابقة أن ارتفاع ضغط الدم في منتصف العمر يمكن أن يؤدي إلى الخرف عن طريق التسبب في زيادة سمك جدران الشرايين المؤدية إلى الدماغ وتيبسها، مما يقلل من تدفق الدم إليه.

ارتفاع ضغط الدم خلال الحمل

وفي أحدث الأبحاث، التي طرحتها "مايو كلينك" ملخصًا منه خلال المؤتمر الدولي لجمعية الزهايمر (AAIC) 2022 الذي عقد أخيرًا في سان دييجو بالولايات المتحدة، أخذ الباحثون عينات من الحويصلات - أكياس صغيرة مملوءة بالسوائل تم إطلاقها من خلايا المخ - من 40 امرأة كن يتمتعن بصحة جيدة أثناء الحمل، و40 من النساء اللاتي عانين من ارتفاع ضغط الدم في مرحلة ما خلال فترة الحمل.

وعانى سبعة في المجموعة الأخيرة من تسمم الحمل الحاد في الأسابيع العشرين من الحمل. ولم يحدد الباحثون متى بالضبط أخذوا االعينات بعد الحمل. ومع ذلك، أظهرت النتائج أن النساء المصابات بمقدمات تسمم الحمل كان لديهن مستويات أعلى من "الأميلويد بيتا" في دمائهن.

وتراكم البروتين علامة مميزة لمرض الزهايمر، حيث أشارت الدراسات السابقة إلى أنه يمكن أن يكون سبب هذه الحالة، حيث يتراكم تشكيل لويحات في أدمغة الأشخاص المصابين.

وأظهرت الدراسة أيضًا أن النساء المصابات بمقدمات التسمم يعانين من مستويات مرتفعة من التهاب الدماغ بعد سنوات. ويُعتقد أن التهاب الدماغ هو سبب محتمل آخر لمرض الزهايمر، حيث ربطت الأبحاث السابقة بينه وبين تراكم البروتينات "غير المرغوب فيها" في الدماغ.

وأشارت الدكتورة سونيا سوفاكوف، كبيرة الباحثين في الكيمياء الحيوية في "مايو كلينك"، إلى أن هذه الحالة يمكن أن تسبب مجموعة من "المخاطر التنكسية العصبية والمعرفية".

وقالت: "تشير هذه النتائج إلى أن النساء اللواتي لديهن تاريخ من مقدمات تسمم الحمل قد زادت مستويات علامات تلف الأوعية الدموية العصبية التي قد تؤثر سلبًا على مهاراتهن المعرفية".

غير أن هناك حاجة إلى مزيد من البحث لفهم المخاطر التنكسية العصبية والمعرفية التي يسببها تاريخ اضطرابات ارتفاع ضغط الدم للنساء طوال الحياة.

ولم ينشر الباحثون بعد نتائجهم الكاملة، مع توقع إصدار دراسة كاملة في وقت لاحق.

الإصابة بالخرف الوعائي

وأظهرت دراسة طرحتها جامعة يوتا خلال المؤتمر نفسه، أن النساء المصابات بمقدمات تسمم الحمل معرضات أيضا لخطر الإصابة بالخرف الوعائي، وهو السبب الثاني الأكثر شيوعًا للخرف بعد مرض الزهايمر.

وجاء ذلك بعد أن فحص الباحثون، السجلات الصحية لـ 59 ألفُا و668 امرأة مسنة أنجبن في سن صغير، وتبين أن اللواتي عانين من ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل واجهن خطرًا أكبر بنسبة 64 في المائة للإصابة بالخرف الوعائي، وكن أكثر عرضة بنسبة 49 في المائة للإصابة بأشكال أخرى من الخرف، ولكن ليس مرض الزهايمر.

وقالت المؤلفة الرئيسية، الدكتورة كارين شليب، عالمة الأوبئة في الجامعة: "تؤكد نتائجنا النتائج السابقة بأن تسمم الحمل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالخرف الوعائي مقارنة بمرض الزهايمر أو أنواع الخرف الأخرى".

ووفقًت للباحثين، فإن خطر الإصابة بالخرف الوعائي قد يكون مرتفعًا بالنسبة للنساء اللواتي لديهن تاريخ من ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل كما هو الحال بالنسبة لتسمم الحمل.

وفي الوقت نفسه، ربطت دراسة مركز إيراسموس إم سي الطبي، الارتفاع في ضغط الدم أثناء الحمل بزيادة تدهور الدماغ.

ونظرت الدراسة في المادة البيضاء في 93 امرأة يعانين من اضطرابات ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل، و445 منهن كن يتمتعن بحمل منتظم. وقام الباحثون بفحص أدمغتهن بعد 15 عامًا من الحمل لمعرفة مدى سرعة تلاشي أنسجتهن.

وتبين أن اللواتي عانين من ارتفاع ضغط واجهن خطرًا أكبر لفقدان المادة البيضاء، بنسبة 38 في المائة، مما يشير إلى انهيار جزء أكبر من أدمغتهن. ومع ذلك، كانت النساء اللواتي عانين من ارتفاع ضغط الدم اثناء الحمل أكثر عرضة للخطر من اللواتي عانين من تسمم الحمل.

قالت المؤلفة الرئيسية روينا حسين علي، وهي طالبة دكتوراه في علم الأوبئة والتوليد: "تشير هذه البيانات بوضوح إلى أن تاريخ (اضطرابات ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل) كان مرتبطًا بمزيد من الضرر للدماغ بعد 15 عامًا من الحمل - وهو ضرر يمكن أن يكون له تأثيرات دائمة على الإدراك".

وأضافت: "يجب تقييم النساء اللواتي لديهن تاريخ من (اضطرابات ارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل) وعلاجهن مبكرًا من ارتفاع ضغط الدم وعوامل الخطر القلبية الوعائية الأخرى".

ويُعتقد أن تسمم الحمل ناتج عن عدم تطور المشيمة بشكل صحيح بسبب مشكلة في الأوعية الدموية التي تغذيها. ومع ذلك، فإن السبب الدقيق غير مفهوم تمامًا، كما تقول هيئة الخدمات الصحية ببريطانيا.

قالت كاثرين جراي، مديرة الاتصالات البحثية في جمعية الزهايمر بريطانيا: "على الرغم من أن النساء يشكلن 65 في المائة من الأشخاص المصابين بالخرف ، إلا أنه لا يُفهم سوى القليل نسبيًا حول سبب خطر إصابة المرأة بالخرف".

وأوضحت أن "هذه النتائج تعزز ما نعرفه بالفعل عن تأثير ارتفاع ضغط الدم على صحة الدماغ عند النساء الحوامل. والأهم من ذلك ، تشير النتائج إلى أنه إذا تم التعرف على النساء اللاتي لديهن تاريخ من الإصابة بضغط الدم في وقت مبكر وتقديم العلاج والدعم المناسبين، فلا يمكننا فقط الحفاظ على صحتهن أثناء الحمل والولادة، ولكن من المحتمل أيضًا تقليل خطر الإصابة بالخرف في وقت لاحق من الحياة".